شهادة «إثبات احلياة»
من أعجب الوثائق التي تطلب من النساء األرامل واملطلقات وكبار السن وثيقة «إثبات الحياة» التي تضمن استمرار ما يتلقينه من إعانة أو معاش تقاعدي، وإثبات الحياة ال بد لها أن تكون وثيقة رسمية مختومة ال تغني عنها أي وثيقة أخـرى كما ال يغني عنها حضور هـؤالء األرامــل واملطلقات إلـى مصلحة التقاعد ومكاتب الضمان، حتى ولـو حضرن عدوا أو صرخن بملء أفواههن: والله العظيم إحنا لسه ما متنا. وبـــصـــرف الــنــظــر عـــن الـــــروح الــبــيــروقــراطــيــة الــتــي تشترط مثل هــذه الوثيقة ومــا تضطر إلـيـه املـحـتـاجـات إلــى مشقة استخراجها فـإن الفكرة في حد ذاتها ال تخلو من عبقرية فـيـمـا لــو وســعــنــا دائــرتــهــا وجـعـلـنـا إثــبــات الــحــيــاة شرطا ملزما لكثير من اللجان والهيئات واملؤسسات التي سمعنا بوالدتها وشاركنا في حفل تسمياتها ورقصنا في عرس تدشينها ثــم لــم نـعـد نسمع عنها شيئا وال نـجـد لـهـا أثرا وال نـعـلـم هــل مــا زالـــت حـيـة تـــرزق أم تــوالهــا الــلــه برحمته وماتت وحيدة بائسة ال يعلم الذين شهدوا والدتها وباركوا تسميتها بموتها وفاتهم تقديم واجب العزاء فيها. ووثيقة «إثبات الحياة» مطلوبة كذلك لكثير من املشاريع التي شهدنا إقرارها وسمعنا عن رصد ميزانياتها وفرحنا بإعالن البدء فيها ثم توقفت أو تعطلت وذهبت بنا الظنون إلى أنها ماتت ولم تبق منها غير جثث تشهد على بدايات لـم تكتب لها الحياة، ولكي ال يركن املـواطـنـون إلــى اليأس الــذي هو أحـد الراحتني فـإن بقاء تلك املشاريع يحتاج إلى وثيقة إثبات الحياة كذلك. ملــا كــان املــجــال ال يتسع لـذكـر تلك املـؤسـسـات والـهـيـئـات أو تسمية تلك املشاريع فإني أدع ذلك للقراء الذين كانوا شهودا على والدة تلك املؤسسات والهيئات واملشاريع وأصبحوا بحاجة إلى االطالع على ما يثبت أنها ال تزال حية ترزق.