Okaz

أمي.. يومك مبارك!

- نجيب عصام يماني nyamanie@hotmail.com

وقــضــى ربــــك أال تــعــبــد­وا إال إيـــــاه وبالوالدين إحسانا.. «يوم األم»، الذي تحتفي به الدنيا، من كــل عـــام، ونـحـن «االسـتـثـن­ـاء الــوحــيـ­ـد»، لـيـس في هذا «اليوم» فحسب؛ بل وفي أيام مماثلة من التي أقرها العرف اإلنساني، وهو يبحث عن منافذ لزرع الفرح واستنبات البهجة، محددا في ذلك أياما بعينها، جعلها يوما تحتشد فيه مظاهر الحفاوة وإظهار الفرح كما هو الحال مع األم، بكل حمولة هذه الكلمة من معاني املحبة واإليثار والرحمة والعطف والحنان. ولتجاوز ما درجنا عليه في تناول قضايانا املختلف عليها بحالة من التجييش من قبل فريقي الـ«مع» والــ«ضـد»، لنعيد ذات األسطوانة املـكـرورة، بــذات اللغة املستنسخة، من قاموس «حرام»، و«بدعة»، و«تشبه»، وما إلى ذلك من املحفوظات التي تقف متربصة تنتظر أي محاولة إلظهار الفرح أو ابتداع «يوم جديد»، خارج املحفوظ من األعياد املشروعة، بتوهم أنها هي املـحـرك الوحيد لفرحنا واجـتـمـاع ســرورنــا، ومــا دونـهـا باطل منبوذ، وبدعة محرمة. إخـراج هذا «امللف» من قبضة التفكير األحــادي، وطرحه ليظل حاضرا بالتفكير والنظر الدائم، وإعمال الفكر فيه بمقتضيات الــشــرع، بـمـا فــي ذلــك الـقـيـاس جـريـا على غــيــره مــن املــســائ­ــل الـحـيـاتـ­يـة األخــــرى، فلنتجاوز األيـــام الـتـي حـددهـا العالم أجــمــع وجـعـلـهـا مــواســم لــلــفــر­ح، وأيام للسرور والحفاوة، ولننظر إلى جوهر الفعل بميزان الشرع، وندير فيه النقاش بروية ومكث. ولنأخذ قضية «يوم األم» مثا، ففي كل عام تحتفل الدنيا بيوم األم، وتـنـقـل الـفـضـائـ­يـات مـظـاهـر هذه الـــحـــف­ـــاوة. أمـــهـــا­ت يــكــرمــ­ن لصنيعهن املـثـالـي، وتــجــري دمـوعـنـا فـرحـا ونحن نشاهدهن يستقبلن ذلك التكريم بدموع خالطها الحب والعرفان والحنان، مشهد ال يمكن لعاقل ذي نفس سليمة أن يتجافى عنه بحجة أنه «بدعة»، وأن اإلسام حدد لنا األعياد ولم يذكر فيها عيد األم، ونقول ألصحاب هذه النظرة املنغلقة أن الشواهد في السنة النبوية تقف ضدكم تماما في هذا املنحى، فعندما قدم نبي األمــة يثرب، وجـد اليهود يحتفلون بيوم عـاشـوراء، فلما سأل عن ذلك أخبروه بأنه يوم نجى الله فيه موسى فاتخذوه عيدا، وقال: «نحن أولى بموسى منكم»، فجرت السنة من بعده باالحتفال بهذا اليوم وإظهار الفرح فيه بالصيام والتعبد لله عز وجل، ليبقى بذلك «عيدا» للمسلمن. وأقول عيدا عن قصد وعمد بمفضيات هذه املفردة لغويا واصطاحيا، وتطابقها مع جريان األيام عاما بعد عام في نسق الحفاوة واالجتماع بحجة الفضل والبركة فيها. ولو قسنا األمور على مثال يوم عاشوراء، فنحن والـلـه أولــى فـي شــأن االحتفاء بــاألم مـن غيرنا، فالقرآن الــكــريـ­ـم وضـعـهـا فــي مـرتـبـة عـظـيـمـة، وجــعــل رضــاهــا مفتاحا لرضا الله املرجو، أو سخطه املعاذ منه، كما أن سنة املصطفى أكدت على تلك املعاني النيرات في حق األم، وقدمتها في حسن صحبة املــرء ثــاث مــرات على األب، فلئن احتفل العالم باألم، فقد أحـسـن، ولكننا أولــى بــاألم مـنـه؛ فنحن املــأمــو­رون ببرها، واملتنادون للعطف عليها، واملسؤولون عن حسن صحبتها في الدنيا، فمن غيرنا أولى باالحتفاء، وال غضاضة في تسمية هذا االحتفاء بـ«عيد األم»، اتساقا مع القاعدة الفقهية «ال مشاحة في اللفظ»، فمن وجـد في نفسه حرجا من تسميته بـ«العيد»، فـلـيـسـمـ­ه «يـــــوم األم»، أو أي مــصــطــل­ــح آخـــــر، ولـــكـــن ال يخرج علينا بالتحريم، والقول بعدم الجواز، فليس لألمر أي عاقة بــ«الـبـدع»، التي ينتهي بنا الحال إلـى التحريم القاطع جملة واحدة، فإنما هو أمر أقل ما يوصف به أنه من مأمورات الشرع، فإذا قال قائل بأنه أمر واجب على املسلم اإلتيان به في كل حركة وســكــون تتصل بــأمــه، ضممنا صوتنا إلــى صــوتــه، وعضدنا رؤيته، وساندنا موقفه، فاالحتفاء باألم واجب محتم، وأي بأس في أن نجعل مظهر االحتفال بشكل جماعي في يوم محدد من أيام العام لعله يصادف قلبًا جاحدا فيحن، مجتمعنا اليوم أحــوج ما يكون لهذا املظهر االحتفائي، فقد استشرت فيه قـــضـــاي­ـــا الــــعـــ­ـقــــوق وعـــــدم توقير األبناء آلبائهم إلى غـايـة تـنـذر بخطر وخيم، طـــالـــع­ـــتـــنــ­ـا الــــصـــ­ـحــــف أن املحكمة الجزائية بمنطقة ســـكـــاك­ـــا أصــــــــ­ــدرت حكما بـسـجـن ثــاثــة أشــقــاء ملدة عـام وجلدهم )300( جلد جزاء اعتدائهم على والدتهم بالضرب والبصق في وجهها ومـحـاولـة إحــراق منزلها وتكسير أثـاثـه. ولـجـأت إلــى املحكمة بعد أن فــاض بها الكيل جــراء املـعـانـا­ة الـدائـمـة وضـربـهـم لها بشكل يومي! كما أفصحت وزارة الـعـدل «أن املـحـاكـم فـي اململكة نـظـرت في )326( قضية عقوق رفعها آباء وأمهات ضد أبنائهم خال العام املنصرم».. هـذا ما وصـل إلـى املحاكم ومـا خفي كـان أعظم، أي بما يعادل قضية في كل يوم تشرق فيه الشمس على مجتمعنا، إننا بحاجة إلــى يــوم لــألم، ومثله لــألب، وثـالـث للحب، ورابع للصداقة، وخامس للعمل، وســادس للجار... إلــخ. نحتاج إلى أن «نوطن» األفــراح في نفوسنا لتشرق بالفرح، وال حاجة بنا إلى حراس النوايا الذين يقفون على أبواب أفراحنا مع العالم بـ«كرباج» التبديع والتفسيق، وقاموس اإلكفهرار والعبوس! خاص تكفينا سنوات الغفلة ومعاناتها.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia