عبادي.. وتر الوطن
استضافت الدوحة قبل أيام نخبة مــن عــازفــي الــعــود، ومـــن املواهب الشابة فـي الـعـزف على هـذه اآللة العريقة، سيدة الـوتـريـات تـطـورت عبر السنوات من وترين إلى أربعة، حتى وصلت على يد زرياب لتصبح خمسة أوتار، ولهذا أتى مسمى املهرجان لــيــكــون مــهــرجــان الـــوتـــر الـــخـــامـــس، واستضاف املهرجان صانعن وعازفن هواة، وعازفن كبارا على رأسهم عبادي الجوهر، أو إخطبوط العود كما سماه الراحل طال مداح. عـبـادي الجوهر أو «وتــر الـوطـن» كما يطيب لي تسميته، فنان سعودي أمتع أجياال متعددة في مسيرة امـتـدت لستة وأربـعـن عـامـا، ومــا زال في جعبته الكثير ليقدمه، كنت أعتقد أن قمة املتعة أن تـراه يعزف العود، وهي با شك متعة كبيرة، لكن وجــدت املتعة األكــبــر فــي االسـتـمـاع لحديثه وسعة إطاعه. ولــــألســــف فـــاملـــطـــرب كـــمـــا املـــمـــثـــل أو الــــاعــــب أو الــصــحــفــي، تــلــتــصــق فـــي أذهــــــان الـــنـــاس صورة ذهـنـيـة عـنـهـم، وكــأنــهــم قــالــب واحـــد بمواصفات ثابتة، أو منتج يستنسخ في مصنع من مصانع املنتجات املعلبة، وهــذا أمـر له عاقة بموروثات ثقافية تستسهل التفسير والتحليل للشخصيات ليكون التوصيف حسب املهنة ال الشخصية. وبطبيعة املشاهير فالناس تنشغل بتفاصيلهم، ويحسن بعضهم نسج القصص الخيالية عنهم ليبدو ممتعا فــي املـجـالـس والــديــوانــيــات، ولكن األصــل أن مـا يهمك مـن الفنان هـو مـا يقدمه من عمل، من لحن أو لوحة أو عمل درامي، لكن حياته الـــخـــاصـــه فاألصل أنها تخصه وحده. بينما عــبــادي حن يـــــــتـــــــحـــــــدث تشعر بـــــحـــــجـــــم ثــــقــــافــــتــــه وقـــــــــراء اتـــــــــه، تشعر بـــــــحـــــــجـــــــم تــــعــــلــــقــــه بأسرته وبأثر املرأة في حياته، فهي األم واألب حـن غيب األب املــوت وعـمـر عـبـادي ثاث سنوات، وهي الزوجة التي أحب وتزوج في العام 28، وظل مخلصا لها بعد أن غيبها املوت قبل ما يزيد على عقد من الزمان، وهي ابنتاه التي يشعر بأقصى املتعة معهما، حتى إذا سألته عن أحب األلقاب لقلبه أجابك: «أبوسارة». هذا الفقد لعدة أحباب واملمتد من الطفولة حتى فــقــد الــــزوجــــة، دون إغـــفـــال فــقــد الــصــديــق طال مداح، والتي شكلت حزنا في نفس أبوسارة، هذا ال يعني أن الـحـزن مـــرادف الـكـآبـة، بـل إن عبادي بشوش لطيف مع كل من يلتقيه ويطلب صورة منه، إال أن دمعته قريبة وال يخجل منها. الفن رسـالـة للوطن، ألن موسيقى الشعوب دليل على ثقافتهم، كما أن املواهب حن ترحل ال يحل مــكــانــهــا أحــــد، لكن لــــــو فــــقــــدنــــا مدير إدارة فسيعن بدال عــــنــــه مـــــديـــــر آخــــــر، ولـــــهـــــذا فـــيـــجـــب أن نـحـتـفـي بفنانينا أحــــــــيــــــــاء، حـــــتـــــى ال يقال عنا إننا ال نكرم إال األمـــوات، وأكـبـر تكريم للفنان أن يغني في وطنه. الــيــوم نشهد عـــودة الـحـفـات الفنية واألمسيات الشعرية السعودية للسعودية، ليرتبط وجدان الجمهور السعودي بفنانيه وشعرائه، ونتمنى أيـــضـــا أن يـــعـــود املـــســـرح الــجــمــيــل لـــنـــرى ناصر الــقــصــبــي وراشـــــد الــشــمــرانــي وغــيــرهــم كــمــا كان سابقا، وأن نشاهد الفيلم السعودية عبر شاشة السينما ال اليوتيوب. هـــذه األيــــام نـتـابـع بــأمــل تـصـفـيـات كـــأس العالم، ونــتــرقــب أن يــصــل مـنـتـخـبـنـا لــكــأس الــعــالــم في روســيــا ،2018 لـنـتـذكـر أغـنـيـة عــبــادي بمناسبة تــأهــل املــنــتــخــب فـــي 49، والـــتـــي تــقــول كلماتها «يالجماهير هلي ورحبي بالبطل..على الصوت على قولي األخضر وصــل.. جانا مرفوع الجبن يــا هــا أســـد الــعــريــن.. فــايــزيــن فــايــزيــن.. فايزين موفقن». وإذا مـا عدنا بـالـذاكـرة إلـى الثمانينات، فنتذكر األغنية الخالدة «جـاكـم اإلعــصــار»، والـتـي كانت وقود العبي جيل الثمانينات، كانوا يسمعونها فــي الــبــاص، فتحفزهم لـلـفـوز ورفـــع رايـــة الوطن عاليا. كــل التوفيق ملنتخبنا بـالـوصـول لـكـأس العالم، وتــحــقــيــق أفــضــل الــنــتــائــج، وكــــل الــشــكــر للفنان عـبـادي الجوهر على أكثر مـن أربـعـة عـقـود، كان فيها وتــر الـوطـن الــذي ال ينقطع، واألنــامــل التي تــعــزف لــوحــات الــشــجــن، كــانــت ومـــازالـــت أغانيه مرآة األحاسيس حزنا وفرحا، وعنوان املحطات التاريخية الرياضية منها والوطنية.