امللك عبدالعزيز وضع اللبنة األولى للنهضة التعليمية بالقنفذة قبل
حـن أشـرقـت شمس العهد الـسـعـودي، وألـقـت بأضوائها على الجزيرة العربية، استبشر أهالي القنفذة بهذا العهد امليمون، إذ خصص امللك املؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه، ميناءي القنفذة والليث الستقبال الحجيج القادمن من دول باكستان والهند والدول اإلسالمية، واعتمد وثيقتن تنصان عـلـى ذلـــك، مـخـاطـبـا حـاكـمـي الـهـنـد وبــاكــســتــان، مــؤكــدا لهما جاهزية ميناء القنفذة الستقبال الحجاج وتوفر وسائل النقل إلى مكة املكرمة في جو آمن تحفه الطمأنينة. وقد شهد ميناء القنفذة قبل اندثاره وتعطله، رسو العديد من البواخر الشراعية القادمة من أفريقيا ودول الخليج العربي، حاملة أنواعا مختلفة من البضائع. وفـي وقـت يتذكر فيه الباحث التاريخي الشيخ حسن بن إبراهيم الفقيه الـنـشـاط الـتـجـاري فـي املـيـنـاء قديما، لــم تــزل صـــورة املـيـنـاء تــداعــب ذاكـــرة أهالي القنفذة إلعادة الحياة إليه مرة أخرى. واسـتـجـابـة لتطلعات األهــالــي، اهـتـم امللك عـبـدالـعـزيـز بــإحــداث نهضة تعليمية في املــحــافــظــة ومـــراكـــزهـــا، إذ افــتــتــح فــي غرة رمــــضــــان 9431هــــــــــ، املــــدرســــة السعودية االبـتـدائـيـة بـالـقـنـفـذة، أول مــدرســة تابعة للتعليم الـنـظـامـي، وفــي عــام 1372 أمر بـإنـشـاء معتمدية للتعليم فــي القنفذة، بينما استمر تــزايــد اسـتـحـداث املدارس عــبــر الـــســـنـــوات، لــتــصــل إلــــى نــحــو 606 مـــــدارس لـلـبـنـن والـــبـــنـــات، إضـــافـــة إلى كليات جامعية للبنن وأخـرى للبنات، عـــــالوة عــلــى مــعــهــد وكــلــيــة تــقــنــيــة، ما أهلها لتصبح ثاني بلدية على مستوى املـمـلـكـة. كـمـا شــهــدت املـحـافـظـة نهضة عمرانية، تمثلت في الشوارع الفسيحة، وتوفير املجسمات الهندسية املميزة الــتــي زيــنــت املــديــنــة، وجـعـلـتـهـا محط إعجاب الزائرين والسياح. ويحتضن الساحل الغربي للبحر األحـمـر محافظة القنفذة، الـتـي تبعد عـن مدينة جــدة بنحو 350 كيلومترا، وتتوسط املسافة بن جـدة وجــازان، فيما تمتد حدودها إلـى مرتفعات جبال السروات لتالمس منطقة عسير جنوبا، والباحة شرقا، لتمثل بـهـذا املــوقــع حلقة وصــل بــن مــدن الـحـجـاز الرئيسية عسير والـبـاحـة ومــدن الساحل مكة املكرمة وجـــدة، ويتبعها تسعة مراكز إدارية. وتتميز القنفذة بثالث بيئات جغرافية، تمنح كل منها ميزة بيئية مـن نــوع خــاص، متضمنة البيئة البحرية متمثلة في الـجـزر املـتـنـاثـرة فـي الـبـحـر، والبيئة الـصـحـراويـة الساحلية، والبيئة الجبلية التي تمتد شرقا حتى صدر جبال السروات، كما تحتوي املحافظة على جميع الدوائر الحكومية. ويكفي القنفذة فخرا، أنها كانت محط تجارة السيدة خديجة زوج املصطفى عليه الـصـالة والـســالم، فـي سـوق حباشة أحد أشهر أسواق العرب في الجاهلية، ويقع في العرضية الجنوبية
شرق املحافظة، على ضفاف وادي قنونا تتوسط مدينة الـشـهـيـر، حـسـب مـقـولـة حـكـيـم بــن حــــزام، وأورده الــبــكــري في معجمه في نصه عن سوق حباشة، إذ ورد منه ما نصه مفيدا عن البز (نوع من الثياب) إذ قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضرها واشتريت فيها بزا..... إلخ». ومـــن الــدالئــل الـتـاريـخـيـة الــتــي تتميز بـهـا املـحـافـظـة، تجارة قريش، التي عرفت باإليالف، وتعني املعاهدات التجارية التي وقـعـت بــن زعـمـاء قـريـش ومـلـوك اليمن والـحـبـشـة، إذ فتحت أبـواب الـرزق على قريش، ونقلت تجارتها من الطابع املحلي إلــى الـتـجـارة الخارجية. وال شـك أن مــرور هــذه الـرحـالت عبر الـقـنـفـذة فـتـح أبـــواب الـــرزق أمـــام أبـنـائـهـا، كـمـا قــوى صالتهم التجارية بالحجاز واليمن والحبشة على مر العصور. وتحتضن القنفذة عــددا مـن املـعـالـم األثــريــة التاريخية التي تـحـاكـي الــحــضــارات املختلفة عـلـى مــر الـعـصـور، فمنها على سـبـيـل املــثــال الــطــاحــونــة: وهـــي عــبــارة عــن بـنـايـة مــن الحجر البحري تستخدم لطحن الحبوب بمحرك يعتمد على األشرعة والــهــواء، واستعمل فـي بنائها الحجر السطايحي البحري، وهو حجر بحري قوي التماسك والصالبة. ويبلغ قطر البناية الــذي مـا زال صـامـدا حتى اآلن، نحو سبعة أمــتــار، وارتفاعه مثلها، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن الـ21 وبداية الـ31. فيما تضم املحافظة قرية عشم، وهي مدينة أثرية تقع شمال شرق بلدة املظيلف بـ02 كيلومترا، وتعود إلى صدر اإلسالم وربما أقدم من ذلك، وقد اشتهرت هذه املدينة بالتعدين، وخصوصا مـعـدن الــذهــب، وكــانــت مـديـنـة محظوظة أكـثـر مــن غـيـرهـا، إذ اختصها حسن الفقيه (يرحمه الله) بكتاب يتناول سيرتها. وعلى بعد ستة كيلومترات جنوب القنفذة، يقع مركز حلي، الــذي يحتضن املدينة التاريخية حلي بـن يعقوب، وقــد أعد عضو مجلس الشورى الدكتور أحمد الزيلعي بحثا عن هذه املدينة، يشير إلى أن الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة كان أول من زار هذه املدينة سنة 37هـ، بيد أنها لم تحتفظ بأكثر من آثار املباني والقبور. أمــا جـزيـرة جبل الصبايا، فقد تناولها ابــن ماجد فـي كتابه (الـــفـــوائـــد فـــي أصـــــول عــلــم الــبــحــر والــــقــــواعــــد)، وهــــي جزيرة صخرية ترابية كبيرة، غـرب بلدة مخشوش فـي مركز كنانة جنوب القنفذة، وتبعد نحو 18 كيلومترا عن شاطئ البحر األحمر، ويمتد طولها من الشمال إلى الجنوب بمسافة سبعة كيلومترات وعرضها يتراوح بن كيلو إلى كيلومترين، وهي ذات تضاريس متعددة بن الهضبة والوادي والسطح املستوي، ويحكي أنها كانت مأهولة منذ القدم وحتى عــهــد قــــريــــب. ويــــؤكــــد ابـــــن مـــاجـــد أنـــــه قابل سكانها. ومـا يـدل على قـدم هـذه الجزيرة، احتواؤها على مقابر متعددة وآثار املباني واألواني الفخارية والزجاجية وغيرها من اآلثار التي تؤكد أنها كانت مأهولة. تتميز القنفذة بالشواطئ الـهـادئـة والجزر الــبــحــريــة الــتــي تــعــد مـتـنـفـسـا ملـحـبـي البحر والـــهـــدوء، ومــنــهــا شــاطــئ الـنـخـلـة عــلــى بعد ســتــة كــيــلــومــتــرات شــمــال الــقــنــفــذة، وأهــــم ما يــمــيــزه صــفــاء مــيــاهــه الــتــي تــنــاســب محبي الـسـبـاحـة، وقــد حسنت الـبـلـديـة هــذا املتنزه، واهتمت بـرصـف طريقه، وتــزويــده باملظالت ومــيــاه الــشــرب وألــعــاب األطــفــال، وغـيـرهـا من عوامل الجذب. إضافة إلى الكورنيشن الغربي والــجــنــوبــي وقـــريـــة كـــــادي الــســيــاحــيــة، إذ تم تجهيزه بكل الخدمات والجلسات العائلية، ما يجعله مقصدا للعائالت، لقربه من املدينة. أمــــا شـــاطـــئ جــبــل الـــقـــنـــع، فــيــقــع عــلــى بــعــد 10 كيلومترات جنوب شرقي القنفذة، ويتكون من امــتــداد صــخــري لـلـتـربـة، ومــرتــفــع رمــلــي ناصع الــبــيــاض، ويــقــع امـــتـــداده عــلــى الــجــزء الشمالي منه ملسافة ال تزيد عن الكيلو ونصف، وفي هذا الجزء تنحصر بن شاطئ البحر وسفح الجبل مجموعة مـن أشـجـار النخيل تمنح املـكـان روعة من نـوع خــاص. وعلى بعد 25 كيلومترا جنوب الـقـنـفـذة، تـقـع جــزيــرة أم الــقــمــاري، الـتـي تبعد عن حرف الشاطئ في داخل البحر األحمر بنحو ثالثة كيلومترات، ويبلغ قطر استدارة هذه الجزيرة نحو ثلث كيلومتر، وتكتظ بــأشــجــار الـــــراك، وبــعــض أشــجــار الـحـمـض والـــصـــاب، حاملة بـن أغصانها وأوراقــهــا آالفــا مـن طيور الـقـمـاري، خصوصا فــي مــواســم الــزراعــة، كما تحتوي هــذه املنطقة جــزيــرة ثري، الـتـي تعد مكانا مالئما للسياحة الداخلية ألهـالـي القنفذة وزوارهـا. عالوة على احتواء القنفذة على عدد من املتنزهات البرية واألوديــة ومنها: وادي قنونا، واألحسبة، والخيطان، والغميم.