أوهام الغالة
قبل أعــوام عــدة كــان هناك مجموعة مـن البشر يجهشون بالبكاء بعد أن أصدرت الدولة قرارا بدمج مـا كــان يسمى بالرئاسة العامة لتعليم الــبــنــات بـــــوزارة املــعــارف (آنــــــذاك)، وبــنــوا على الـــقـــرار أوهـــامـــا وزعـــوهـــا بــســخــاء فــي املساجد وفي اإلنترنت، كانوا يرعبون الناس البسطاء بــــأن هــــذا الـــقـــرار هـــو أولـــــى خـــطـــوات التغريب تلك الفزاعة التاريخية التي ما زالــوا يرفعون عقيرتهم بها في وجه أي خطوة تنموية تقوم بـهـا الــدولــة، ثــم خـبـت نــارهــم كـالـعـادة وصمت ضجيجهم لـيـنـشـغـلـوا فــي مـعـركـة أخــــرى فهم ال يعيشون بـا تــأزم أو تـأزيـم، فكان خصمهم هــذه املــرة جــوال الكاميرا، ذلــك الجهاز الشرير الذي غزا باد املسلمني ليفسد نساءها وينشر الـــفـــاحـــشـــة، وخــــرجــــت املـــطـــويـــات والكتيبات والـــفـــتـــاوى، وعـــا الــنــحــيــب مـــن املــنــابــر ذاتها، ثم خبت املعركة من جديد وأصبح النائحون يحملون فـي جيوبهم أحــدث األجــهــزة املزودة بكاميرتني وليست كاميرا واحــدة، ويتباهون بصورها في رحات األنس الدعوية في الشرق والغرب، وأصبحوا يخجلون من معاركهم في السابق، ويــودون لو يمسحونها من صفحات الجرائد ومواقع اإلنترنت التي ما زالت شاهدة على تلك الحقبة. هـذه مجموعة من األوهــام التي أرعبوا الناس بـهـا طـــوال عـقـود مــن الــزمــن، ثــم ال تلبث إال أن تتهاوى مع الزمن منذ زمـن (الـراديـو) وتعليم املرأة وتحريم التلفزيون والدش وانتهاء بعمل املرأة وما يسمونه باالختاط، وهجومهم على التنظيم الجديد لهيئة األمر باملعروف والنهي عـن املنكر، وموقفهم املتشنج مـن الـفـن وهيئة الترفيه، لكن املشكلة أننا ال نتعلم من املاضي، وال نتأمل دروسه مع أولئك القوم، وكأننا نصر على أن نضع مستقبلنا ومستقبل أطفالنا بني أيديهم، ونـصـر وبشكل غريب على أن نصدق أوهــامــهــم وكــوابــيــســهــم فــي كــل مــــرة، فضاعت علينا أوقات أهدرناها في مجادلتهم ونقاشهم الـــذي تـحـول إلــى حـــوار بــني طــرشــان والخاسر األول واألخير هو هذا الوطن الذي يستحق أن يكون في مقدمة دول العالم لو أنه تخلص من أوهام الغاة وكوابيسهم.