Okaz

إدمان املجتمع السعودي.. إلى أين؟

- د. عبداهلل صادق دحالن abdullahda­hlan@yahoo.com * كاتب اقتصادي سعودي

بقدر اهتمام الدول الصناعية بتطوير التقنية فــي مختلف املــجــاا­لت، وبقدر حــجــم اإلنــــفـ­ـــاق عــلــى الــبــحــ­ث العلمي لتطوير التقنية فــي الـعـالـم، وبــقــدر املنافسة الشرسة بــني الـشـركـات املصنعة لتطوير التقنية، إال أن هناك آثـــــارا سـلـبـيـة كــبــيــر­ة وصـــادمــ­ـة وهـــادمــ­ـة أحــيــانـ­ـا على املجتمع فــي بعض الـخـدمـات والـصـنـاع­ـات املتطورة، ولــــن أتـــحـــد­ث عـــن مـجـمـلـهـ­ا وإنـــمـــ­ا أخــصــص مقالتي الـــيـــو­م عــلــى تــطــور صــنــاعــ­ة تـقـنـيـة وســـائـــ­ل التواصل االجتماعي التي أصبحت األكثر واألسرع تطورا لبقية الصناعات األخــرى في العالم واألكثر واألســرع تأثيرا عـلـى املجتمعات فــي الــعــالـ­ـم؛ وعــلــى وجــه الخصوص فــــي الـــــــد­ول الـــنـــا­مـــيـــة، وأصـــبـــ­حـــت آثــــارهـ­ـــا السياسية واالجتماعي­ة واالقتصادي­ة والنفسية واألخالقية كبيرة جدا، ويؤسفني أن أشبه ارتباط وانتماء أفراد املجتمع بوسائل التواصل االجتماعي الحديثة (باإلدمان) حتى أصبح إجمالي وقـت استخدام وسائل التواصل يمثل األعلى من أوقات العمل أو الترابط األسري او العبادات، وأصبحت صــورة أفــراد املجتمع صــورة متشابهة في اســتــخــ­دام الــوســائ­ــط مـثـل ارتـبـاطـه­ـم بـالـهـاتـ­ف املتنقل ومـراجـعـة مــواقــع الـتـواصـل بشكل جنوني فــي العمل والـسـيـار­ة واملسجد واملـنـزل وعلى مـوائـد الطعام وفي غرف النوم، وأصبح الهاتف النقال أكبر شريك لحياة الفرد ال يمكن االستغناء عنه. إن ملف عالج اإلدمان على مواقع التواصل االجتماعي عند األفــراد (فيسبوك وتويتر وواتساب وسناب شات وغــيــرهـ­ـا) هـــو مــحــل بــحــث ودراســـــ­ـة فـــي أغــلــب املراكز الـبـحـثـي­ـة املـهـتـمـ­ة بـــدراســ­ـة املـجـتـمـ­عـات والسلوكيات الــبــشــ­ريــة ملــعــرفـ­ـة تــأثــيــ­ره املــبــاش­ــر عــلــى بـنـيـة املجتمع وتماسك األسرة، وأصبح أهم من التواصل االجتماعي املباشر حيث لم تعد الروابط األسرية لها خصوصيتها واحترامها وتقديرها من قبل أفراد األسرة كما كانت في السابق. فبعد أن كانت الشكاوى واملعاناة ضد وجود شخص أو اثنني مدمنني داخــــل األســـــر­ة الواحدة أصبحت الظاهرة تمس األسرة بالكامل ولم يعد األمر عيبا أو مستهجنا ألن األب واألم أصبحا مـــــدمــ­ـــنـــــن­ي بــــــــل انتقل اإلدمـــــ­ان إلـــى العامالت املنزلية على الـرغـم من أن مـواقـع الـتـواصـل االجتماعي أنشئت لتكون أفضل وسيلة لتحقيق التواصل ونشر الثقافة والفضيلة بني األفراد والجماعات.

لــقــد أثــبــتــ­ت دراســـــا­ت ســابــقــ­ة أن حــوالــي 400 مليون شــخــص يــعــانــ­ون مــن ظــاهــرة اإلدمـــــ­ـان عــلــى استخدام وســائــل الــتــواص­ــل االجــتــم­ــاعــي، ويــعــد هـــذا الــنــوع من اإلدمــــا­ن الـجـديـد أقـــوى مــن اإلدمــــا­ن عـلـى املــخــدر­ات أو الخمر أو التدخني، فله آثار نفسية وجسدية سلبية على املدمن؛ منها الخمول الجسدي وقلة الحركة والصداع والشعور الدائم بالتوتر والتعب، خصوصا عند انقطاع اإلنــتــر­نــت، إضــافــة إلــى حــب الــوحــدة والتشبث بالرأي والهروب من مواجهة املجتمع الواقعي مما قد يؤدي إلى حاالت من االكتئاب التي قد تؤدي إلى االنتحار. ويــــرى الــخــبــ­راء أن هـــذه الــظــاهـ­ـرة بــاتــت تــهــدد األسرة وأصـبـحـت تحتل حـيـزا هـامـا فــي حـيـاة الــفــرد، وباتت قضية تــؤرق املختصني فـي علم االجـتـمـا­ع وتجعلهم يدقون ناقوس الخطر، وتشير الدراسات إلى أن الدماغ يرغب في تفقد مواقع التواصل االجتماعي مرة كل 31 ثانية. وازدادت تعقيدا وخطرا بــعــد إتــــاحــ­ــة استخدام وســـائـــ­ل االتــــصـ­ـــال عبر الهاتف النقال وأدى إلى غياب متابعة وتوجيه وإرشـــــا­د األهــــل لألبناء لضمان التربية السليمة والسوية. وفــي الجانب املقابل يــرى الـخـبـراء أنــه على الـرغـم من اســتــخــ­دام الــشــبــ­اب لتلك املــواقــ­ع فــي الــبــداي­ــة للتسلية وإقــامــة الــصــداق­ــات، إال أنــه ومــع مـــرور الــوقــت تطورت الــعــالق­ــة بــني الــشــبــ­اب ومـــواقــ­ـع الــتــواص­ــل االجتماعي فـأصـبـحـو­ا يستخدمونها فــي تــبــادل وجــهــات النظر وتبادل املعلومات ومشاركتها مع دائرة املعارف داخل مواقع التواصل االجتماعي، وهـو ما ساعد الكثيرين ممن يعانون من مشاكل العزلة أو الخجل االجتماعي من التعامل مع اآلخرين على التغلب على هذه املشاكل، كما أنها نجحت في نقل األحــداث لحظة بلحظة وقت وقوعها. وينصح األخصائيون باتباع خطوات للتخفيف من اإلدمان على مواقع التواصل االجتماعي وذلك بتنظيم الوقت، أي أن على املستخدم أن يقوم بتنظيم أولياته خــالل يـومـه بحيث ال يـدخـل إلــى تـلـك املــواقــ­ع إال بعد االنتهاء من أعماله األساسية وتلبية احتياجات عائلته على أال يتجاوز استخدامه لها مدة عشرين دقيقة خالل اليوم، ذلك ألن الوقت الذي ينفق على مواقع التواصل يزيد عن الفائدة املرجوة منها، إذ إنها تأتي على حساب أنشطة أخرى اجتماعية ومعرفية. ويوصي الخبراء كل شخص بعدم الدخول على مواقع التواصل االجتماعي ملدة أسبوع إن كان قد مضى على استخدامه لها عـام كامل دون توقف، وذلــك ليزيد من السيطرة على إرادته في التعامل مع تلك املواقع. وإذا كــان لــي مــن رأي، فإنني أتمنى أن تتبنى إحدى الجامعات السعودية دراســـة متكاملة عـن أثــر وسائل التواصل االجتماعي على املجتمع السعودي من جميع الـنـواحـي وتقديم حلول مقبولة على رأسـهـا التوعية والتربية واستبعاد الحلول الجذرية؛ مثل عزل املجتمع عن وسائل التواصل، ألن العنف في املعالجة يؤدي إلى عنف فــي البحث عــن الــبــدائ­ــل، ولـنـا فــي طــرق معالجة إدمان املخدرات في املستشفيات قدوة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia