إدمان املجتمع السعودي.. إلى أين؟
بقدر اهتمام الدول الصناعية بتطوير التقنية فــي مختلف املــجــاالت، وبقدر حــجــم اإلنــــفــــاق عــلــى الــبــحــث العلمي لتطوير التقنية فــي الـعـالـم، وبــقــدر املنافسة الشرسة بــني الـشـركـات املصنعة لتطوير التقنية، إال أن هناك آثـــــارا سـلـبـيـة كــبــيــرة وصـــادمـــة وهـــادمـــة أحــيــانــا على املجتمع فــي بعض الـخـدمـات والـصـنـاعـات املتطورة، ولــــن أتـــحـــدث عـــن مـجـمـلـهـا وإنـــمـــا أخــصــص مقالتي الـــيـــوم عــلــى تــطــور صــنــاعــة تـقـنـيـة وســـائـــل التواصل االجتماعي التي أصبحت األكثر واألسرع تطورا لبقية الصناعات األخــرى في العالم واألكثر واألســرع تأثيرا عـلـى املجتمعات فــي الــعــالــم؛ وعــلــى وجــه الخصوص فــــي الـــــــدول الـــنـــامـــيـــة، وأصـــبـــحـــت آثــــارهــــا السياسية واالجتماعية واالقتصادية والنفسية واألخالقية كبيرة جدا، ويؤسفني أن أشبه ارتباط وانتماء أفراد املجتمع بوسائل التواصل االجتماعي الحديثة (باإلدمان) حتى أصبح إجمالي وقـت استخدام وسائل التواصل يمثل األعلى من أوقات العمل أو الترابط األسري او العبادات، وأصبحت صــورة أفــراد املجتمع صــورة متشابهة في اســتــخــدام الــوســائــط مـثـل ارتـبـاطـهـم بـالـهـاتـف املتنقل ومـراجـعـة مــواقــع الـتـواصـل بشكل جنوني فــي العمل والـسـيـارة واملسجد واملـنـزل وعلى مـوائـد الطعام وفي غرف النوم، وأصبح الهاتف النقال أكبر شريك لحياة الفرد ال يمكن االستغناء عنه. إن ملف عالج اإلدمان على مواقع التواصل االجتماعي عند األفــراد (فيسبوك وتويتر وواتساب وسناب شات وغــيــرهــا) هـــو مــحــل بــحــث ودراســــــة فـــي أغــلــب املراكز الـبـحـثـيـة املـهـتـمـة بـــدراســـة املـجـتـمـعـات والسلوكيات الــبــشــريــة ملــعــرفــة تــأثــيــره املــبــاشــر عــلــى بـنـيـة املجتمع وتماسك األسرة، وأصبح أهم من التواصل االجتماعي املباشر حيث لم تعد الروابط األسرية لها خصوصيتها واحترامها وتقديرها من قبل أفراد األسرة كما كانت في السابق. فبعد أن كانت الشكاوى واملعاناة ضد وجود شخص أو اثنني مدمنني داخــــل األســـــرة الواحدة أصبحت الظاهرة تمس األسرة بالكامل ولم يعد األمر عيبا أو مستهجنا ألن األب واألم أصبحا مـــــدمـــــنـــــني بــــــــل انتقل اإلدمـــــان إلـــى العامالت املنزلية على الـرغـم من أن مـواقـع الـتـواصـل االجتماعي أنشئت لتكون أفضل وسيلة لتحقيق التواصل ونشر الثقافة والفضيلة بني األفراد والجماعات.
لــقــد أثــبــتــت دراســـــات ســابــقــة أن حــوالــي 400 مليون شــخــص يــعــانــون مــن ظــاهــرة اإلدمــــــان عــلــى استخدام وســائــل الــتــواصــل االجــتــمــاعــي، ويــعــد هـــذا الــنــوع من اإلدمــــان الـجـديـد أقـــوى مــن اإلدمــــان عـلـى املــخــدرات أو الخمر أو التدخني، فله آثار نفسية وجسدية سلبية على املدمن؛ منها الخمول الجسدي وقلة الحركة والصداع والشعور الدائم بالتوتر والتعب، خصوصا عند انقطاع اإلنــتــرنــت، إضــافــة إلــى حــب الــوحــدة والتشبث بالرأي والهروب من مواجهة املجتمع الواقعي مما قد يؤدي إلى حاالت من االكتئاب التي قد تؤدي إلى االنتحار. ويــــرى الــخــبــراء أن هـــذه الــظــاهــرة بــاتــت تــهــدد األسرة وأصـبـحـت تحتل حـيـزا هـامـا فــي حـيـاة الــفــرد، وباتت قضية تــؤرق املختصني فـي علم االجـتـمـاع وتجعلهم يدقون ناقوس الخطر، وتشير الدراسات إلى أن الدماغ يرغب في تفقد مواقع التواصل االجتماعي مرة كل 31 ثانية. وازدادت تعقيدا وخطرا بــعــد إتــــاحــــة استخدام وســـائـــل االتــــصــــال عبر الهاتف النقال وأدى إلى غياب متابعة وتوجيه وإرشـــــاد األهــــل لألبناء لضمان التربية السليمة والسوية. وفــي الجانب املقابل يــرى الـخـبـراء أنــه على الـرغـم من اســتــخــدام الــشــبــاب لتلك املــواقــع فــي الــبــدايــة للتسلية وإقــامــة الــصــداقــات، إال أنــه ومــع مـــرور الــوقــت تطورت الــعــالقــة بــني الــشــبــاب ومـــواقـــع الــتــواصــل االجتماعي فـأصـبـحـوا يستخدمونها فــي تــبــادل وجــهــات النظر وتبادل املعلومات ومشاركتها مع دائرة املعارف داخل مواقع التواصل االجتماعي، وهـو ما ساعد الكثيرين ممن يعانون من مشاكل العزلة أو الخجل االجتماعي من التعامل مع اآلخرين على التغلب على هذه املشاكل، كما أنها نجحت في نقل األحــداث لحظة بلحظة وقت وقوعها. وينصح األخصائيون باتباع خطوات للتخفيف من اإلدمان على مواقع التواصل االجتماعي وذلك بتنظيم الوقت، أي أن على املستخدم أن يقوم بتنظيم أولياته خــالل يـومـه بحيث ال يـدخـل إلــى تـلـك املــواقــع إال بعد االنتهاء من أعماله األساسية وتلبية احتياجات عائلته على أال يتجاوز استخدامه لها مدة عشرين دقيقة خالل اليوم، ذلك ألن الوقت الذي ينفق على مواقع التواصل يزيد عن الفائدة املرجوة منها، إذ إنها تأتي على حساب أنشطة أخرى اجتماعية ومعرفية. ويوصي الخبراء كل شخص بعدم الدخول على مواقع التواصل االجتماعي ملدة أسبوع إن كان قد مضى على استخدامه لها عـام كامل دون توقف، وذلــك ليزيد من السيطرة على إرادته في التعامل مع تلك املواقع. وإذا كــان لــي مــن رأي، فإنني أتمنى أن تتبنى إحدى الجامعات السعودية دراســـة متكاملة عـن أثــر وسائل التواصل االجتماعي على املجتمع السعودي من جميع الـنـواحـي وتقديم حلول مقبولة على رأسـهـا التوعية والتربية واستبعاد الحلول الجذرية؛ مثل عزل املجتمع عن وسائل التواصل، ألن العنف في املعالجة يؤدي إلى عنف فــي البحث عــن الــبــدائــل، ولـنـا فــي طــرق معالجة إدمان املخدرات في املستشفيات قدوة.