Okaz

املخاطرة في السوق العقارية السعودية شبه معدومة

- د. عبدالعزيز الوذناني أستاذ المحاسبة المشارك رئيس قسم المحاسبة بكلية إدارة األعمال / جامعة الفيصل - الرياض wathnani@alfaisal.edu

اجلهات املمولة ملزمة بإيضاح الوزن النسبي لهوامش القروض

ابـــتـــك­ـــرت الـــبـــن­ـــوك املحلية فـــي الـــســـن­ـــوات األخيرة صيغا عدة للتمويل الـعـقـاري، لتسويق منتجاتها املالية الــــتـــ­ـي تستهدف الـطـبـقـة الوسطى مـــــــــ­ــــن املـــــجـ­ــــتـــــ­مـــــع الــــــسـ­ـــــعــــ­ــودي وهـــــم الــــــعـ­ـــــمــــ­ــود الــــفـــ­ـقــــري لالقتصاد الوطني. هـــذه الــصــيــ­غ الــتــي تستمد مـسـمــيـا­تـهــا مـــن عــقــود إسالمية أصيلة في الفقة اإلسالمي، مثل عقود اإلجارة وعـــقـــو­د املـــرابـ­ــحـــة ومــشــتــ­قــاتــهــ­مــا، هـــي عقود فــي ظـاهـرهـا الـرحـمـة وفــي باطنها تعقيدات كثيرة. فــهــذه الــعــقــ­ود فــي جــوهــرهـ­ـا وحـقـيـقـت­ـهـا هي عقود إذعــان فـي مجملها، وال تتضمن حتى الـحـد األدنـــى مــن الـحـمـايـ­ة للجانب األضعف في العالقة التعاقدية بني هـذه البنوك، وهي الجانب األقـــوى، واملستفيدي­ن (األفــــرا­د) وهم الجانب األضعف واملستحق للحماية. هــــذه الـــعـــق­ـــود يـــبـــدو لــلــمــر­اقــب أنـــهـــا أحادية الــــجـــ­ـانــــب، فـــهـــي مـــكـــتـ­ــوبـــة لـــحـــمـ­ــايـــة البنوك وبطريقة تجعل البنوك تفسر الغامض منها ملصلحتها دون تضمينها الـحـد األدنـــى من الـحـمـايـ­ة للجانب األضــعــف فــي هــذه العالقة وهو املواطن املستفيد من هذه العقود. تعتبر عــقــود «اإلجــــــ­ارة» هــي األكــثــر انتشارا وتــفــضــ­يــال لــــدى الــبــنــ­وك املــحــلـ­ـيــة، فـــي تقديم قــــروض بــفــوائـ­ـد مـنـخـفـضـ­ة مــع بــدايــة الفترة الــتــعــ­اقــديــة دون أن تـــلـــزم الــبــنــ­وك بتوضيح الــخــيــ­ارات املــتــاح­ــة أمــــام األفــــــ­راد، وباملخاطر املترتبة على ارتـفـاع فوائد هـذه الـقـروض في املستقبل.

«بقرة حلوب» للبنوك

وهــــذا الــنــوع مــن الــعــقــ­ود تــكــاثــ­ر وانــتــشـ­ـر في السنوات الخمس أو الست األخيرة، إذ أصبح هــذا الـنـوع مـن عقود التمويل الـعـقـاري يمثل البقرة الحلوب للبنوك. ومع تراجع االقتصاد السعودي في نهاية عام 2015 وبداية عام ،2016 بدأت البنوك املحلية تــبــحــث عـــن مـــصـــاد­ر دخــــل أخـــــرى لتعويض انخفاض إيراداتها بسبب تباطؤ الطلب على الـقـروض البنكية وتـوقـف بعض العمالء عن السداد، وخاصة الشركات في بعض القطاعات، مــثــل شــركــات «املــــقــ­ــاوالت» ويــبــدو أن البنوك وجدت ضالتها في أصحاب القروض العقارية مــن األفـــــر­اد وخــصــوصـ­ـا أصــحــاب قــــروض ما يسمى بعقود اإلجــارة، إذ قامت البنوك برفع الفوائد على هذه القروض بنسب تصل إلى %75 وقـــيـــل حــتــى %100 مـــن نسبة الـفـوائـد الـسـابـقـ­ة، وربــمــا أكثر، مـــا أدى إلــــى ارتــــفــ­ــاع أقساط الـقـروض العقارية والضغط على املقترضني ماليا. هـنـاك مــن يـبـرر هــذه الزيادة بارتفاع «السايبر» أو معدل اإلقــــــ­راض بــني البنوك الــــــــ­ــــذي تــــــأثـ­ـــــر بشح السيولة في االقتصاد املحلي خصوصا في الـنـصـف األول مــن العام املـــاضــ­ـي 2016 لكن رفـع الفوائد بهذه الـنـسـب املرتفعة عـــلـــى أصحاب الــــــــ­ـــــــــق­ــــــــــ­ـــــــروض الــــعـــ­ـقــــاريـ­ـــة من األفــــــ­ــــــــرا­د ليس لــــــــه مــــــــا يـــــبـــ­ــرره مـــــــــ­ـــن الــــــنـ­ـــــاحـــ­ـــيــــــ­ة االقتصادية مع العلم أن الــــقـــ­ـروض العقارية وخصوصا قروض األفراد هي األقل خطورة لسببني رئيسيني هما: أوال: أصحاب هذه القروض عادة يكونون من كـبـار موظفي الـقـطـاع الــخــاص أو الــعــام وفي الغالب يكونون في األربعينات من العمر أو قريبني من هذه السن ومن ذوي املالءة املالية الجيدة وخدماتهم الوظيفية قد تصل إلى 25 عامًا. ثانيا: قروضهم العقارية مضمونة بالعقار نــفــســه إذ الــعــقــ­ار يــكــتــب بــاســم الــبــنــ­ك بينما املشتري عبارة عن مستأجر حتى ملن دفع أكثر من ثلثي القيمة السوقية للعقار عند الشراء ويظل العقار باسم البنك إلــى أن يتم تسديد آخر ريال من قيمة الشراء مضافا إليها الفوائد (قـصـدي األربـــاح حتى تصير حــالال)؛ إضافة إلــى رهــن الـعـقـار فــإن قيمة الـقـرض مضمونة بــراتــب املــقــتـ­ـرض حـيـث يـشـتـرط الـبـنـك املمول بالتزام من جهة عمل املقترض بتحويل راتب صاحب الـقـرض إلـى البنك شهريا ولـن ينظر الـبـنـك فــي أي طـلـب قــرض عــقــاري مــا لــم يقدم خطاب تحويل الراتب للبنك. ليس هذا فحسب بل القرض العقاري مضمون بــــخــــ­دمــــات وحـــــقــ­ـــوق املـــــوظ­ـــــف ســــــــو­اء أكانت الخدمات السابقة للقرض العقاري أو الالحقة له إذ يطلب في خطاب تحويل الراتب من جهة الـعـمـل للبنك أن يـتـنـازل املــوظــف عــن حقوقه وتعويضاته التعاقدية، وتلتزم جهة العمل بتحويل هـذه الحقوق وأي تعويضات مالية أو رواتـــب للموظف إلــى البنك فــي حـالـة ترك املوظف للعمل وأن ال يعطى للموظف إخالء طرف أو نقل راتبه إلى بنك آخر قبل أن يأتي املوظف بخطاب إخالء طرف من البنك. مـمـا تــقــدم يـتـضـح لــلــقــا­رئ الــكــريـ­ـم أن هامش املــخــاط­ــرة فــي الــقــروض الـعـقـاري­ـة فــي سوقنا املــحــلـ­ـيــة تــكــاد تــكــون مــعــدومـ­ـة، بـــل القروض العقارية تعتبر قروضا آمنة، فلو تعثر بعض املقترضني -ال سمح الله- فإن للبنك الحق في بيع العقار فـي املــزاد العلني حتى ولــو بربع الثمن. ليس هذا فحسب بل للبنك الحق في مالحقة املقترض في أمواله الــخــاصـ­ـة لـتـسـديـد املتبقي مــــن الــــقـــ­ـرض إذا لــــم يف ثمن بيع الـعـقـار باملبلغ املطلوب للبنك. لذلك فإن رفع الفوائد على الـــقـــر­وض الــعــقــ­اريــة من قـــبـــل الــــبـــ­ـنــــوك بشكل مبالغ فيه يصل في الـكـثـيـر مــن األحيان إلــــــى %75 أو حتى

هامش املخاطرة

%100 وربما أكثر كنسبة مــــــن قــــيــــ­مــــة الــــفـــ­ـوائــــد الــــــسـ­ـــــابـــ­ـــقــــــ­ة الــــتـــ­ـي وعـــــد بــهــا البنك املــــقــ­ــتــــرض عند الـــتـــو­قـــيـــع على عـقـد االقتراض وهــذا غير مبرر عــــــلــ­ــــى اإلطــــــ­ـــــالق مـــــــــ­ـــن الــــــنـ­ـــــاحـــ­ـــيــــــ­ة االقـــــت­ـــــصــــ­ـاديـــــة؛ هذا فــــــــض­ــــــــال عـــــــــ­ـــن طـــــريــ­ـــقـــــة احــتــســ­اب الــفــوائ­ــد الــتــي سبق وكـتـبـت وكــتــب غــيــري عـنـهـا، إذن فلماذا تقوم بنوكنا املحلية بهذا العمل غير املبرر؟ الـــبـــن­ـــوك تـــقـــوم بـــهـــذا الــعــمــ­ل ألســــبــ­ــاب أربعة مـعـروفـة وغـيـر مستغربة وتمثل الرأسمالية الجشعة واملنفلتة من عقلها: أوال: الـقـروض العقارية التي تقدمها البنوك فــي مــا يـسـمـى الــتــمــ­ويــل الــعــقــ­اري بصيغتيه عقود اإلجـــارة وعـقـود املـرابـحـ­ة ومشتقاتهما هـــي فـــي حـقـيـقـة األمــــر عــقــود إذعـــــان وتفتقر حتى إلــى الـحـد األدنـــى مـن الحماية للجانب األضعف في العالقة التعاقدية وهو «املواطن» أو املقترض. فالبنوك لديها مــوارد هائلة من محامني وخـبـراء ماليني ومسوقني ومقيمني عقاريني بينما املواطن هو الجانب األضعف فــال يـفـتـرض أن يـكـون قـانـونـي يـعـرف ماهية هذه العقود والفرق بينها وما يترتب عليها مـن الـتـزامـا­ت وخصوصا املالية والقانونية. فــهــذه الــعــقــ­ود جـــديـــد­ة عــلــى املــجــتـ­ـمــع وحتى عـلـى الـكـثـيـر مــن املـخـتـصـ­ني وال يـفـتـرض في املواطن أن يكون خبيرا ماليا يعرف الفرق بني الفائدتني الثابتة واملتغيرة واملخاطر املالية والقانونية املترتبة على كل منهما. ثانيا: صيغ العقود العقارية املعمول بها في الـبـنـوك املحلية تـكـاد تـكـون مكتوبة لحماية الـــبـــن­ـــوك ونـــصـــر­تـــهـــا عـــلـــى حــــســــ­اب املواطن وبطريقة تجعل البنوك تفسر الغامض منها ملصلحتها دون حماية تذكر (حتى في حدها األدنـــــ­ى) لـلـجـانـب األضــعــف فــي هـــذه العالقة أال وهــو «املـــواطـ­ــن». هــذا جـعـل أصــحــاب هذه الـقـروض يقعون فريسة سهلة ولقمة سائغة لجشع البنوك االحتكارية. ثـالـثـا: راتـــب املــواطــ­ن املــقــتـ­ـرض مــحــول للبنك الـــذي ال يكلف نفسه أكــثــر مــن اقـتـطـاع املبلغ املــراد رضـي املقترض أم أبـى وغياب القوانني الــرادعــ­ة، مـا تــرك الحبل على الــغــارب للبنوك لتسرح وتـمـرح وتـفـرض مـا تشاء مـن الفوائد والــرســو­م فــي ظــل بيئة بنكية محلية أقــل ما يقال عنها أنها تعاني من احتكار القلة وغياب املنافسة وقوانني الحماية الفاعلة. رابعا: عدم كفاءة التشريعات والقوانني التي تحكم املؤسسات املالية والعقود التي تجريها هذه املؤسسات وكذلك ندرة القوانني املوجهة لحماية املستفيدين من الخدمات املالية التي تقدمها البنوك حيث إن هؤالء املستفيدين هم الحلقة األضـعـف فـي العالقة التعاقدية ومن واجـــب الــدولــة ســن الـتـشـريـ­عـات الــتــي تضمن حــقــوقــ­هــم وتــحــمــ­يــهــم مــــن تــعــســف املصارف التي تمثل الجانب األقــوى واملهيمن في هذه العالقة. للعدالة فــإن عــدم كـفـاءة وفاعلية التشريعات والـقـوانـ­ني الـتـي تحكم بيئتنا املحلية ليست حــــــكــ­ــــرا عـــــلـــ­ــى املـــــؤس­ـــــســــ­ـات املــــالـ­ـــيــــة مــــثــــ­ل البنوك وشــــــرك­ــــــات التأمني بل تتجاوزها إلى كثير من القوانيني والـــــتـ­ــــشـــــ­ريـــــعــ­ـــات التي تحكم الكثير مـــــــــ­ـــن شـــــــؤو­نـــــــنـ­ــــــا الـــحـــي­ـــاتـــيـ­ــة وذلـــــك لسببني: عـدم كفاءة وقـــلـــة خـــبـــرة اإلدارات الحكومية املختلفة في سن هذه التشريعات وكذلك تضارب املصالح لهذه اإلدارات، حيث تقوم هذه اإلدارت بوظيفة التشريع والتنفيذ والرقابة في الوقت نفسه، وهـذا يتنافى مع أبسط أسس ومبادئ الحوكمة الرشيدة. هـــل هـــــذا يـــــدل عــلــى أن اإلدارات الحكومية سيئة بطبيعتها أو أن موظفي القطاع العام ال يــقــومــ­ون بــواجــبـ­ـاتــهــم؟ الـــجـــو­اب بطبيعة الــحــال «ال» ولــكــن ألن الــتــشــ­ريــعــات أصبحت معقدة ومتشعبة وتحتاج مــهــارات وخبرات تراكمية لدراستها ودراسة آثارها االقتصادية واالجــتــ­مــاعــيــ­ة والــســيـ­ـاســيــة املـــبـــ­اشـــرة وغير املــبــاش­ــرة، ولــيــس بــالــضــ­رورة أن تـتـوافـر هذه الـــخـــب­ـــرات واملــــــ­هــــــارا­ت لـــــــــ­ـإدارات الحكومية وموظفي القطاع الـعـام. فمن الظلم أن نطلب منهم القيام بمهمات أكبر بكثير من قدراتهم. هـــذا مــن نــاحــيــ­ة، ومـــن الـنـاحـيـ­ة األخــــرى قيام الـــجـــه­ـــاز الــتــنــ­فــيــذي بسن التشريعات وتنفيذها والرقابة عليها يخل بـــأســـس ومبادئ الــــــــ­ـــحــــــ­ـــــوكـــ­ــــــــمـ­ــــــــــ­ة الــــــــ­ــــــرشــ­ــــــــــ­ــيـــــــ­ـــــــدة الــــــتـ­ـــــي تتطلب اســـــــت­ـــــــقــ­ـــــاللــ­ـــــيــــ­ـــة وظيفة اإلجراءات الــتــشــ­ريــعــيــ­ة وسن الــــقـــ­ـوانــــني والرقابة عــلــيــه­ــا ووظـــيـــ­فـــة تنفيذ هــــذه الــقــوان­ــني ويــعــطــ­ل تطور البيئة التشريعية والقانونية والرقابية الفاعلة. الحل: يجب أن تسن القوانني العادلة والفاعلة لحماية أصحاب القروض العقارية من األفراد وهــم الطبقة الوسطى وعـمـود سنام املجتمع الـسـعـودي وأمــلــه وصــمــام أمــانــه بـعـد الـلـه عز وجـــــل وأن ال يـــتـــرك­ـــوا فــريــســ­ة ســهــلــة ولقمة سـائـغـة لـلـبـنـوك. فـأحـد الـحـلـول ربـمـا يـتـم عن طريق تحديد نسبة هامش األرباح التي يمكن للبنوك أخذها من العميل فوق معدل السايبر (معدل اإلقراض بني البنوك). فمثال يمكن تحديد أربـاح البنوك التي يمكن أخذها فوق معدل السايبر تـراوح بنسبة بني %1 و3% (كحد أعلى) مع األخـذ في الحسبان عــــدة عـــوامـــ­ل مــثــل املــــــا­لءة املــالــي­ــة للمقترض وحجم املبلغ املسدد من قيمة القرض والتغير في القيمة السوقية للعقار وتــــلـــ­ـزم الـــبـــن­ـــوك بقوة الـــقـــا­نـــون بإيضاح هـــــــــ­ـــذه املــــعــ­ــايــــيـ­ــــر ووزنــهــا النسبي فــي قـــرار تعديل هــامــش الفوائد ألصـــــــ­ــــــــــ­ـــحــــــ­ــــــــــ­ــــاب الــــقـــ­ـروض فـــي كل مــــــــر­ة يــــتــــ­م تغيير معدل فائدة قروضهم، وليس كما هو الحال في الوضع الحالي، حيث يتم رفع فوائد القروض بمجرد رسالة على جوال العميل ودون معايير واضحة وملزمة. وكــذلــك يــجــب فــتــح الــســوق املــالــي­ــة للمنافسة العادلة مـن أجــل توفير الخدمات واملنتجات املـالـيـة املتنوعة أمــام املستفيدين فــي السوق املحلية وأن ال يترك السوق املحلي تحت رحمة احتكار قلة وغياب املنافسة الفاعلة والقوانني الجيدة التي تحمي املستفيدين من الخدمات واملنتجات املالية التي تقدمها البنوك املحلية من استغالل البنوك وتعسفها.

 ??  ?? القطاع العقاري في حاجة ماسة إلى تدفقات مستمرة للسيولة تضمن بقاء االستثمارا­ت وتوسعها بما يزيد من معدل العرض ويحقق المنافسة السعرية.
القطاع العقاري في حاجة ماسة إلى تدفقات مستمرة للسيولة تضمن بقاء االستثمارا­ت وتوسعها بما يزيد من معدل العرض ويحقق المنافسة السعرية.
 ??  ?? عبدالعزيز الوذناني
عبدالعزيز الوذناني

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia