املخاطرة في السوق العقارية السعودية شبه معدومة
اجلهات املمولة ملزمة بإيضاح الوزن النسبي لهوامش القروض
ابـــتـــكـــرت الـــبـــنـــوك املحلية فـــي الـــســـنـــوات األخيرة صيغا عدة للتمويل الـعـقـاري، لتسويق منتجاتها املالية الــــتــــي تستهدف الـطـبـقـة الوسطى مـــــــــــــن املـــــجـــــتـــــمـــــع الــــــســــــعــــــودي وهـــــم الــــــعــــــمــــــود الــــفــــقــــري لالقتصاد الوطني. هـــذه الــصــيــغ الــتــي تستمد مـسـمــيـاتـهــا مـــن عــقــود إسالمية أصيلة في الفقة اإلسالمي، مثل عقود اإلجارة وعـــقـــود املـــرابـــحـــة ومــشــتــقــاتــهــمــا، هـــي عقود فــي ظـاهـرهـا الـرحـمـة وفــي باطنها تعقيدات كثيرة. فــهــذه الــعــقــود فــي جــوهــرهــا وحـقـيـقـتـهـا هي عقود إذعــان فـي مجملها، وال تتضمن حتى الـحـد األدنـــى مــن الـحـمـايـة للجانب األضعف في العالقة التعاقدية بني هـذه البنوك، وهي الجانب األقـــوى، واملستفيدين (األفــــراد) وهم الجانب األضعف واملستحق للحماية. هــــذه الـــعـــقـــود يـــبـــدو لــلــمــراقــب أنـــهـــا أحادية الــــجــــانــــب، فـــهـــي مـــكـــتـــوبـــة لـــحـــمـــايـــة البنوك وبطريقة تجعل البنوك تفسر الغامض منها ملصلحتها دون تضمينها الـحـد األدنـــى من الـحـمـايـة للجانب األضــعــف فــي هــذه العالقة وهو املواطن املستفيد من هذه العقود. تعتبر عــقــود «اإلجــــــارة» هــي األكــثــر انتشارا وتــفــضــيــال لــــدى الــبــنــوك املــحــلــيــة، فـــي تقديم قــــروض بــفــوائــد مـنـخـفـضـة مــع بــدايــة الفترة الــتــعــاقــديــة دون أن تـــلـــزم الــبــنــوك بتوضيح الــخــيــارات املــتــاحــة أمــــام األفــــــراد، وباملخاطر املترتبة على ارتـفـاع فوائد هـذه الـقـروض في املستقبل.
«بقرة حلوب» للبنوك
وهــــذا الــنــوع مــن الــعــقــود تــكــاثــر وانــتــشــر في السنوات الخمس أو الست األخيرة، إذ أصبح هــذا الـنـوع مـن عقود التمويل الـعـقـاري يمثل البقرة الحلوب للبنوك. ومع تراجع االقتصاد السعودي في نهاية عام 2015 وبداية عام ،2016 بدأت البنوك املحلية تــبــحــث عـــن مـــصـــادر دخــــل أخـــــرى لتعويض انخفاض إيراداتها بسبب تباطؤ الطلب على الـقـروض البنكية وتـوقـف بعض العمالء عن السداد، وخاصة الشركات في بعض القطاعات، مــثــل شــركــات «املــــقــــاوالت» ويــبــدو أن البنوك وجدت ضالتها في أصحاب القروض العقارية مــن األفـــــراد وخــصــوصــا أصــحــاب قــــروض ما يسمى بعقود اإلجــارة، إذ قامت البنوك برفع الفوائد على هذه القروض بنسب تصل إلى %75 وقـــيـــل حــتــى %100 مـــن نسبة الـفـوائـد الـسـابـقـة، وربــمــا أكثر، مـــا أدى إلــــى ارتــــفــــاع أقساط الـقـروض العقارية والضغط على املقترضني ماليا. هـنـاك مــن يـبـرر هــذه الزيادة بارتفاع «السايبر» أو معدل اإلقــــــراض بــني البنوك الــــــــــــذي تــــــأثــــــر بشح السيولة في االقتصاد املحلي خصوصا في الـنـصـف األول مــن العام املـــاضـــي 2016 لكن رفـع الفوائد بهذه الـنـسـب املرتفعة عـــلـــى أصحاب الـــــــــــــــــقـــــــــــــــــروض الــــعــــقــــاريــــة من األفــــــــــــــراد ليس لــــــــه مــــــــا يـــــبـــــرره مــــــــــــن الــــــنــــــاحــــــيــــــة االقتصادية مع العلم أن الــــقــــروض العقارية وخصوصا قروض األفراد هي األقل خطورة لسببني رئيسيني هما: أوال: أصحاب هذه القروض عادة يكونون من كـبـار موظفي الـقـطـاع الــخــاص أو الــعــام وفي الغالب يكونون في األربعينات من العمر أو قريبني من هذه السن ومن ذوي املالءة املالية الجيدة وخدماتهم الوظيفية قد تصل إلى 25 عامًا. ثانيا: قروضهم العقارية مضمونة بالعقار نــفــســه إذ الــعــقــار يــكــتــب بــاســم الــبــنــك بينما املشتري عبارة عن مستأجر حتى ملن دفع أكثر من ثلثي القيمة السوقية للعقار عند الشراء ويظل العقار باسم البنك إلــى أن يتم تسديد آخر ريال من قيمة الشراء مضافا إليها الفوائد (قـصـدي األربـــاح حتى تصير حــالال)؛ إضافة إلــى رهــن الـعـقـار فــإن قيمة الـقـرض مضمونة بــراتــب املــقــتــرض حـيـث يـشـتـرط الـبـنـك املمول بالتزام من جهة عمل املقترض بتحويل راتب صاحب الـقـرض إلـى البنك شهريا ولـن ينظر الـبـنـك فــي أي طـلـب قــرض عــقــاري مــا لــم يقدم خطاب تحويل الراتب للبنك. ليس هذا فحسب بل القرض العقاري مضمون بــــخــــدمــــات وحـــــقـــــوق املـــــوظـــــف ســــــــواء أكانت الخدمات السابقة للقرض العقاري أو الالحقة له إذ يطلب في خطاب تحويل الراتب من جهة الـعـمـل للبنك أن يـتـنـازل املــوظــف عــن حقوقه وتعويضاته التعاقدية، وتلتزم جهة العمل بتحويل هـذه الحقوق وأي تعويضات مالية أو رواتـــب للموظف إلــى البنك فــي حـالـة ترك املوظف للعمل وأن ال يعطى للموظف إخالء طرف أو نقل راتبه إلى بنك آخر قبل أن يأتي املوظف بخطاب إخالء طرف من البنك. مـمـا تــقــدم يـتـضـح لــلــقــارئ الــكــريــم أن هامش املــخــاطــرة فــي الــقــروض الـعـقـاريـة فــي سوقنا املــحــلــيــة تــكــاد تــكــون مــعــدومــة، بـــل القروض العقارية تعتبر قروضا آمنة، فلو تعثر بعض املقترضني -ال سمح الله- فإن للبنك الحق في بيع العقار فـي املــزاد العلني حتى ولــو بربع الثمن. ليس هذا فحسب بل للبنك الحق في مالحقة املقترض في أمواله الــخــاصــة لـتـسـديـد املتبقي مــــن الــــقــــرض إذا لــــم يف ثمن بيع الـعـقـار باملبلغ املطلوب للبنك. لذلك فإن رفع الفوائد على الـــقـــروض الــعــقــاريــة من قـــبـــل الــــبــــنــــوك بشكل مبالغ فيه يصل في الـكـثـيـر مــن األحيان إلــــــى %75 أو حتى
هامش املخاطرة
%100 وربما أكثر كنسبة مــــــن قــــيــــمــــة الــــفــــوائــــد الــــــســــــابــــــقــــــة الــــتــــي وعـــــد بــهــا البنك املــــقــــتــــرض عند الـــتـــوقـــيـــع على عـقـد االقتراض وهــذا غير مبرر عــــــلــــــى اإلطـــــــــــالق مــــــــــــن الــــــنــــــاحــــــيــــــة االقـــــتـــــصـــــاديـــــة؛ هذا فــــــــضــــــــال عــــــــــــن طـــــريـــــقـــــة احــتــســاب الــفــوائــد الــتــي سبق وكـتـبـت وكــتــب غــيــري عـنـهـا، إذن فلماذا تقوم بنوكنا املحلية بهذا العمل غير املبرر؟ الـــبـــنـــوك تـــقـــوم بـــهـــذا الــعــمــل ألســــبــــاب أربعة مـعـروفـة وغـيـر مستغربة وتمثل الرأسمالية الجشعة واملنفلتة من عقلها: أوال: الـقـروض العقارية التي تقدمها البنوك فــي مــا يـسـمـى الــتــمــويــل الــعــقــاري بصيغتيه عقود اإلجـــارة وعـقـود املـرابـحـة ومشتقاتهما هـــي فـــي حـقـيـقـة األمــــر عــقــود إذعـــــان وتفتقر حتى إلــى الـحـد األدنـــى مـن الحماية للجانب األضعف في العالقة التعاقدية وهو «املواطن» أو املقترض. فالبنوك لديها مــوارد هائلة من محامني وخـبـراء ماليني ومسوقني ومقيمني عقاريني بينما املواطن هو الجانب األضعف فــال يـفـتـرض أن يـكـون قـانـونـي يـعـرف ماهية هذه العقود والفرق بينها وما يترتب عليها مـن الـتـزامـات وخصوصا املالية والقانونية. فــهــذه الــعــقــود جـــديـــدة عــلــى املــجــتــمــع وحتى عـلـى الـكـثـيـر مــن املـخـتـصـني وال يـفـتـرض في املواطن أن يكون خبيرا ماليا يعرف الفرق بني الفائدتني الثابتة واملتغيرة واملخاطر املالية والقانونية املترتبة على كل منهما. ثانيا: صيغ العقود العقارية املعمول بها في الـبـنـوك املحلية تـكـاد تـكـون مكتوبة لحماية الـــبـــنـــوك ونـــصـــرتـــهـــا عـــلـــى حــــســــاب املواطن وبطريقة تجعل البنوك تفسر الغامض منها ملصلحتها دون حماية تذكر (حتى في حدها األدنـــــى) لـلـجـانـب األضــعــف فــي هـــذه العالقة أال وهــو «املـــواطـــن». هــذا جـعـل أصــحــاب هذه الـقـروض يقعون فريسة سهلة ولقمة سائغة لجشع البنوك االحتكارية. ثـالـثـا: راتـــب املــواطــن املــقــتــرض مــحــول للبنك الـــذي ال يكلف نفسه أكــثــر مــن اقـتـطـاع املبلغ املــراد رضـي املقترض أم أبـى وغياب القوانني الــرادعــة، مـا تــرك الحبل على الــغــارب للبنوك لتسرح وتـمـرح وتـفـرض مـا تشاء مـن الفوائد والــرســوم فــي ظــل بيئة بنكية محلية أقــل ما يقال عنها أنها تعاني من احتكار القلة وغياب املنافسة وقوانني الحماية الفاعلة. رابعا: عدم كفاءة التشريعات والقوانني التي تحكم املؤسسات املالية والعقود التي تجريها هذه املؤسسات وكذلك ندرة القوانني املوجهة لحماية املستفيدين من الخدمات املالية التي تقدمها البنوك حيث إن هؤالء املستفيدين هم الحلقة األضـعـف فـي العالقة التعاقدية ومن واجـــب الــدولــة ســن الـتـشـريـعـات الــتــي تضمن حــقــوقــهــم وتــحــمــيــهــم مــــن تــعــســف املصارف التي تمثل الجانب األقــوى واملهيمن في هذه العالقة. للعدالة فــإن عــدم كـفـاءة وفاعلية التشريعات والـقـوانـني الـتـي تحكم بيئتنا املحلية ليست حــــــكــــــرا عـــــلـــــى املـــــؤســـــســـــات املــــالــــيــــة مــــثــــل البنوك وشــــــركــــــات التأمني بل تتجاوزها إلى كثير من القوانيني والـــــتـــــشـــــريـــــعـــــات التي تحكم الكثير مــــــــــــن شـــــــؤونـــــــنـــــــا الـــحـــيـــاتـــيـــة وذلـــــك لسببني: عـدم كفاءة وقـــلـــة خـــبـــرة اإلدارات الحكومية املختلفة في سن هذه التشريعات وكذلك تضارب املصالح لهذه اإلدارات، حيث تقوم هذه اإلدارت بوظيفة التشريع والتنفيذ والرقابة في الوقت نفسه، وهـذا يتنافى مع أبسط أسس ومبادئ الحوكمة الرشيدة. هـــل هـــــذا يـــــدل عــلــى أن اإلدارات الحكومية سيئة بطبيعتها أو أن موظفي القطاع العام ال يــقــومــون بــواجــبــاتــهــم؟ الـــجـــواب بطبيعة الــحــال «ال» ولــكــن ألن الــتــشــريــعــات أصبحت معقدة ومتشعبة وتحتاج مــهــارات وخبرات تراكمية لدراستها ودراسة آثارها االقتصادية واالجــتــمــاعــيــة والــســيــاســيــة املـــبـــاشـــرة وغير املــبــاشــرة، ولــيــس بــالــضــرورة أن تـتـوافـر هذه الـــخـــبـــرات واملــــــهــــــارات لــــــــــإدارات الحكومية وموظفي القطاع الـعـام. فمن الظلم أن نطلب منهم القيام بمهمات أكبر بكثير من قدراتهم. هـــذا مــن نــاحــيــة، ومـــن الـنـاحـيـة األخــــرى قيام الـــجـــهـــاز الــتــنــفــيــذي بسن التشريعات وتنفيذها والرقابة عليها يخل بـــأســـس ومبادئ الـــــــــــحـــــــــــوكـــــــــــمـــــــــــة الــــــــــــــرشــــــــــــــيــــــــــــــدة الــــــتــــــي تتطلب اســـــــتـــــــقـــــــاللـــــــيـــــــة وظيفة اإلجراءات الــتــشــريــعــيــة وسن الــــقــــوانــــني والرقابة عــلــيــهــا ووظـــيـــفـــة تنفيذ هــــذه الــقــوانــني ويــعــطــل تطور البيئة التشريعية والقانونية والرقابية الفاعلة. الحل: يجب أن تسن القوانني العادلة والفاعلة لحماية أصحاب القروض العقارية من األفراد وهــم الطبقة الوسطى وعـمـود سنام املجتمع الـسـعـودي وأمــلــه وصــمــام أمــانــه بـعـد الـلـه عز وجـــــل وأن ال يـــتـــركـــوا فــريــســة ســهــلــة ولقمة سـائـغـة لـلـبـنـوك. فـأحـد الـحـلـول ربـمـا يـتـم عن طريق تحديد نسبة هامش األرباح التي يمكن للبنوك أخذها من العميل فوق معدل السايبر (معدل اإلقراض بني البنوك). فمثال يمكن تحديد أربـاح البنوك التي يمكن أخذها فوق معدل السايبر تـراوح بنسبة بني %1 و3% (كحد أعلى) مع األخـذ في الحسبان عــــدة عـــوامـــل مــثــل املــــــالءة املــالــيــة للمقترض وحجم املبلغ املسدد من قيمة القرض والتغير في القيمة السوقية للعقار وتــــلــــزم الـــبـــنـــوك بقوة الـــقـــانـــون بإيضاح هــــــــــــذه املــــعــــايــــيـــــر ووزنــهــا النسبي فــي قـــرار تعديل هــامــش الفوائد ألصــــــــــــــــــــحــــــــــــــــــــاب الــــقــــروض فـــي كل مــــــــرة يــــتــــم تغيير معدل فائدة قروضهم، وليس كما هو الحال في الوضع الحالي، حيث يتم رفع فوائد القروض بمجرد رسالة على جوال العميل ودون معايير واضحة وملزمة. وكــذلــك يــجــب فــتــح الــســوق املــالــيــة للمنافسة العادلة مـن أجــل توفير الخدمات واملنتجات املـالـيـة املتنوعة أمــام املستفيدين فــي السوق املحلية وأن ال يترك السوق املحلي تحت رحمة احتكار قلة وغياب املنافسة الفاعلة والقوانني الجيدة التي تحمي املستفيدين من الخدمات واملنتجات املالية التي تقدمها البنوك املحلية من استغالل البنوك وتعسفها.