Okaz

مجلس الشورى ال تعمل ُتروسه في االجتاه املعاكس!

-

إن املأمول املنتظر من أي شخص؛ رجال كان أو امـــرأة، مـن الـذيـن رفعتهم الثقة الكريمة منزلة سنية، وبوأتهم مقعدا في مجلس الشورى، أن يكون كفؤا لهذه الثقة، جديرا بهذا املقعد، قمينا بما يناط به من مسؤولية في النقاش، وطرح لآلراء املثرية، بعيدا عن شـطـط االنــتــم­ــاءات الـضـيـقـة، والـــــوا­لءات املـشـبـوه­ـة، وتمجيد الــــذوات بـحـسـابـا­ت مفضوحة الــنــواي­ــا.. هــذا الـــذي نـأمـلـه من عـضـو فــي مجلس الـــّشـــورى، أن يــكــون واســـع االطــــال­ع، بعيد النظر، عميق الفكرة، حديد العقل، منفتح البصيرة، سمحا

ًّ حني يوافق على رأي ويسانده، وقــورا حني يجادل بالحجة فــي مــا يـــرى خـــالف مــا يــوافــق رأيــــه ويــجــري مــجــرى مزاجه ورؤيـــتــ­ـه، والــغــاي­ــة واملـحـصـل­ـة فــي الـنـهـايـ­ة مصلحة الوطن، وخير مواطنيه، ومعاونة ولي األمر واملسؤول في طرح اآلراء املستفاد منها في كل مجال من املجاالت، فيها فريضة ملزمة تجعل من املستشار مؤتمنا. هذه هي الصورة النموذج لعضو مجلس الشورى، وأحسب أنها القواعد األساسية التي استندت إليها القيادة -حفظها الله- في تمكني األعضاء من النقاش وطرح اآلراء بكل أريحية وحرية للخروج بما يفيد وينفع الناس. ومن املؤسف ا أن يهز أحد أعضاء هذا املجلس تلك الصورة البهية في افتراضها الزاهي، ليقدم نمطا من التفكير، وضربا من طرح اآلراء، أقل ما يوصف به أنه يخالف األسس املركزية والضرورية في ماهية عضو الـشـورى، وأعني بذلك الدكتور عبدالرحمن باجودة، في ما ذهب إليه بمهاجمة ثالثة من زمالئه أعضاء املجلس جــراء مطالبتهم وتوصيتهم بدمج «هيئة األمــر باملعروف» في وزارة الشؤون اإلسالمية.. وليت باجودة استقل برأيه في طرح رؤيته املناوئة لهذه املطالبة والتوصية، وتقديم حججه املنطقية، كفاء عضويته في مجلس الشورى، ولكنه لم يجد بــني خـلـق الـلـه جميعا شـخـصـا يستند إلـيـه فــي حجته غير الشيخ عبداملحسن العباد، بكل ما تحيط بهذه الشخصية من مواقف ملتبسة، وما بيانه األخير حول تعيني الدكتور دالل نمنقاني عميدة لكلية الطب بجامعة الطائف؛ إال واحـد من أدلة كثيرة على تشدده في الـرأي، بما يجعل منه -افتراضاآخر شخص يعتمد عليه عضوا في مجلس الشورى في مقام االستشهاد واالستناد والحجة الدامغة. نــعــم؛ إنــه ألمــر يــدعــو لـلـعـجـب، أن يـجـد بــاجــودة فــي نموذج «الـعـبـاد» مـا يبحث عنه لدحض مطلب زمـالئـه الـثـالثـة، وال يجد من حجج املنطق ودوامــغ األسباب سببا سـوى أن مثل هذا املطلب والتوصية من «املطامع الغربية»، وهي «شنشنة» نعرف لحنها املعزوف من «فئة» بلوناها كل البالء، وخبرنا طويتها، وحفظنا سمت قائليها، ونـعـرف أجندتهم معرفة وثيقة. كــان حــريــا بـــ«بــاجــودة» أن يـنـاقـش مـنـاقـشـة عــالــم عــــارف، ال أن يــذهــب إلــى «تفتيش نــوايــا» زمــالئــه، فـإنـمـا هــي توصية مطروحة للنقاش، ولـو أنــه نظر مجرد نظرة لسيرة وعطاء مقدمي هذه التوصية، ألدرك جيدا أنها توصية مستندة إلى معرفة، ومتكئة على علم متخصص، فسيرهم املبثوثة في موقع املجلس تشهد لهم بالعلم والفهم واإلخالص، وألدرك أن توصيتهم استكلمت جوانب النظر من النواحي التخصصية من حيث تنظيم العمل، واإلسناد إلى جهة اختصاص محددة، ومـــن حـيـث املـــــرد­ود الـنـفـسـي ملـاهـيـة «الــهــيــ­ئــة» قـبـل توصية الدمج وبعدها، ومن حيث البعد األمني املترتب على ذلك في مفاصل املجتمع.. كان من املأمول واملنتظر من «باجودة» أن «يناقش» بعقل مفتوح، ال أن «يتهم» جـزافـا وال سند لـه إال «العباد».. ويجد املعونة من رئيس املجلس بإفساح املجال له لـ«يفرغ» ما بجوفه، ويدعي باطال أن املجتمع بدأ يعاني من غياب الهيئة وهو لم يحدث أبدًا. إنها توصية كريمة تنم عن إخالص لجهاز الهيئة من حيث إعادة تنظيمه وإسناده إلى وزارة هامة استطاعت أن تلجم الكثير من شطط الدعاة وتنظم خطب املساجد ومراقبة أدائها، وهذا الدمج ال يقل أهمية عن دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات في وزارة املعارف في قرار تـاريـخـي أعـــاد األمـــور إلــى نصابها وصـحـح مـسـار العملية التعليمية، وال يقل أهمية عـن قــرار إلـغـاء الـعـبـودي­ـة ووقف تجارة الرقيق في عهد امللك فيصل رحمه الله. شكرا لهذه القضية بكل أبعادها، فما أحوجنا إلى «غربال» دقيق يفرز املـواقـف فــرزا ال يحتمل املـواقـف املـهـزوزة، فرؤية اململكة 2030 املستشرفة للمستقبل ال تحتمل «تروسا» تعمل في االتجاه املعاكس.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia