أطفال مكة ال بواكي لهم

بـــدأت إجــــازة الــربــيــع، وهــي أصــا ألطــفــال املــــدارس والـطـلـبـة عـمـومـا، بعد فصل دراسي طويل ممل، ال يتخلله ترفيه أو أنشطة صفية أو ال صفية في معظم مدارسنا، وبالخصوص االبتدائية، وألن األسر تشارك أبناءها عبء الدراسة وحل الواجبات املنزلية، وتلبية كل ما يتبرع بطلبه وفرضه قادة وقائدات املــدارس، واملعلمون واملعلمات على الطلبة والطالبات من أعمال جانبية تحسب كأنشطة إضافية، غالبا ليس لها رصيد في درجات الطالب والطالبة أو حتى في سجل أعمال السنة. ولن أتحدث عن البيئة املدرسية وخلو معظمها حتى من فناء يتمشى عليه الطاب، وضيق صـدر معظم املدرسني وقلة صبرهم على براعم تحاول التعلم بالقدوة، فما أن تحل إجازة حتى يتنفس الجميع الصعداء. إجــازة ما بني الفصلني ربما هي املستحقة الوحيدة بني سلسلة إجازات كانت، وبعضها مازال يقتطع من أيام دراستنا السنوية حتى غدونا أقصر دول العالم املشابه لظرفنا وبيئتنا أياما دراسية. عاوة على ذلك هي إجازة الربيع، رحم الله البحتري القائل: «أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا، من الحسن حتى كاد أن يتكلما»، انطلق األهالي، وقبل أن ينبه النوروز أوائل ورد كن باألمس نوما، بأطفالهم للتمتع برق النسيم الذي شابه أنفاس األحبة نعما، للترفيه عن أنفسهم استعدادا لفصل دراســي قــادم. سافر املقتدرون منهم للخارج، واكتفى الباقون بشم نسيم حدائق مدنهم وأحيائهم، وما تتيحه من وسائل ترفيه ألطفالهم، إال أطفال مكة حيث ال حدائق عامة كبرى لديهم وال وسـائـل ترفيه جـديـة، ســوى مـا تبرعت بـه أمانتهم مـن ساحات أسفلتية، هي أصا مواقف لسيارات الحجاج واملعتمرين على أطراف مكة. كــان ألطفالهم شبه حديقة ترفيهية على جبل أجـــرد، أخـذهـا الـقـطـار في طريقه، وحتى اآلن لم يصل القطار وال هي استبدلت. لست أدري حقيقة ملن أوجه ندائي، إلمارة املنطقة أم ألمانة العاصمة املقدسة أم لتجار مكة املكرمة أم لغرفتهم املوقرة؟ أيعقل أن تخلو مدينة يسكنها حوالى ثاثة مايني نسمة، ويقصدها 30 مليونا طوال العام، من حديقة عامة كبرى وال يوجد بها مدينة ألعاب أطفال كبرى، وال تقام فيها مناسبات سواء فنية لألطفال أو محافل ثقافية لرعاية أنشطتهم املدرسية والعناية بهم، أو حتى معارض تجارية للترفيه عنهم. كيف انحصر اهتمامنا على الحج والعمرة، وهو حق يفرضه موقع مكة املكرمة الديني، ونسينا املنافع األخرى للتجمعات الكبرى، كيف على املكي وأطفاله أن يتحملوا، بكل رحابة صــدر، كافة التكاليف االجتماعية للحج والعمرة، صحيا وبدنيا وأمنيا ومـروريـا وضوضاء وجلبة، ثم يشاهدون نهاية كل موسم الطيور تطير بأرزاقها، وال توجه أية نسبة من الدخل املتحقق لتعويض أهل مكة عبء هذه التكلفة؟