غياب املعايير ونشوء اإلدارة العميقة
ال أعرف ما سر هذا العداء املستحكم بيننا وبني كل أسباب ومظاهر املعيارية، فنحن نـحـاول التخلص مـن املعايير واملؤشرات وأساليب القياس في كل شيء، وأعتقد أن نسبة ال يستهان بها من ثقافة العمل في القطاع الحكومي تقوم على كراهية هذه املصطلحات وإزاحتها من طريقهم، وهي ثقافة ولـدت وتدحرجت من تفكير قاصر النظر ومفخخ، يقوم على فكرة مؤداها أن هذه املعايير ووسائل القياس تــحــرج الـحـكـومـة وتـكـشـف تـقـصـيـرهـا، لكنها فــي الواقع تخدم الحكومة وتتفق مع أهدافها العليا، لكنها قطعا ال تخدم هذا القطاع أو تلك الفئة بل وتحرجهم أمام الحكومة واملجتمع وهم بذلك يعتقدون بأنهم هم الحكومة، في حني أن السبيل الوحيد لتحقيق تقدم في األداء العام ودرجة اإلنتاجية هو قياس الكفاءة وجودة الخدمة. كـل مؤسسات العالم التعليمية والصحية واالجتماعية وغيرها تعتمد الـيـوم معايير ومــؤشــرات مـن داخــل هذه األجــهــزة الحكومية ومــن خـارجـهـا، وتعمل على أساليب الــقــيــاس واملــقــارنــة مــع الــــــــrednatS املــتــعــارف عـلـيـه، وهذه األســالــيــب لــأســف غـيـر مــوجــودة فــي كــل قـطـاعـاتـنـا وإن وجـــدت فهي انتقائية فقط تـأخـد مـعـيـارا واحـــدا وتعمل عليه «مـــوال» فــي حــني أنـهـا تغفل 10 معايير ليست في صالحها وهــذا أمــر طبيعي لغياب اإلطـــار املـؤسـسـي من ناحية، ولعدم االشتراك في عضوية أي مؤسسات معيارية تــقــوم بـمـثـل هـــذا الــــدور املـهـنـي املــحــايــد الـــذي يــهــدف إلى التقييم الدوري ورفع مستوى التنافسية ودرجة الجاهزية في الخدمة. غــيــاب هـــذه الـثـقـافـة عــن قــصــد، أعــادنــا كـثـيـرا إلـــى الوراء وجــرد عنصر املــال من رديفه عنصر الجودة فال معايير لأداء وال مقاييس للمهنية وهو ما ضرب عنصر الكفاء ة واإلنــتــاجــيــة فــي مـقـتـل مـلـغـيـًا كــل الــفــروقــات الــتــي تتفق ونــوامــيــس الـعـمـل الــفــطــري، وهــو مــا يتطلب إحــيــاء هذه الثقافة وإعادتها إلى الواجهة من جديد وهي التي كانت موجودة في السابق بشكل تقليدي وتلقائي قبل تختفي كل مظاهر الرقابة الصرامة التقليدية في العمل ويحصل هذا الطوفان اإلداري الذي أطاح بكل شي، وأدى إلى نشوء مظاهر اإلدارة العميقة.