Okaz

املتاجرة بهموم املواطن

- ajib2013@yahoo.com @ajib2013

أصبحت البرامج التليفزيون­ية في اآلونة األخيرة، تستغل حاجة البسطاء بشكل مهني بعيد عن املهنية، فهي وإن ظهرت أمامنا كمالك الرحمة، إال أنها في الواقع أقرب ما تكون ملصاص الدماء، واملفارقة العجيبة أنها حني تعلن القبض على مجرم أو تستضيف أحد الخارجني على القانون فإنها تمحي معامله وتخفي هويته مراعاة لشعوره، أما عندما تكون الحالة إنسانية، فإن الكاميرا تتجول بأريحية تامة على وجه ذلك املسكني، مظهرة الــدمــوع والتجاعيد وألــم الـحـزن والفقد فـي تعابيره، وكلما ازدادت سخونة الحلقة استأذننا املذيع بخبث قائال: نترككم اآلن مع فاصل إعالني ثم نعود! عيب البرامج الجماهيرية أنها تتبنى قضية املواطن الذي يلجأ إليها وتساعده دون أن تسعى لحل املشكلة بشكل عام، واملصيبة الكبرى أنها تتبع نفس األساليب امللتوية لتحقيق طلبه، تبحث عن واسطة قوية وتتواصل معه بطريقتها ليتدخل في املوضوع وينهيه على الفور، ومثل هذا التصرف الشخصي وإن زاد من سمعة البرنامج وعزز من مدى قوته، إال أنه باملقابل يكرس الخلل الحاصل بتلك الجهــة املعنية وربمــا يضفي عليه طابع الشرعية !! الــرابــح األكـبـر هـنـا، هـي القناة الـتـي تجني املـاليـني مـن اإلعــالنـ­ـات الـتـجـاري­ـة، ثـم يأتي املقدم الذي يصعد على اكتاف الغالبة وهو يعد البرنامج تلو اآلخر مستغال همومهم لزيادة نجوميته، ثم يأتي من بعدهم ذلك الضيف املليء الذي ينتمي لواحدة من أرقى العائالت، ما يجعله قادرًا على التطاول والتجريح، فيذيع صيته بني القنوات األخرى، ولن يكون املسؤول الذي تداخل في الحلقة أقل حظًا منهم، فهناك منصب أعلى ينتظره لشفافيته، وحده املواطن الذي ال يجني أي منفعة، عدا النشوة الفاضية التي تالزمه من صراحة املذيع أو جراء ة الحلقة، وشعوره الفارغ بأنه قال كل ما يريده!؟ إنـنـي أرى أن املـتـاجـر­ة بهموم املــواطــ­ن بـهـذا الشكل الفاضح ومــن خــالل هــذه البرامج املستهلكة، ال يختلف كثيرًا عن جريمة اإلتجار بالبشر، فكالهما يقوم على أساس خداع اإلنسان البسيط وإيهامه بتحقيق الفائدة له، ومن ثم استغالل ضعفه أسوأ استغالل، والتربح من ورائه، لقد دأبت هذه البرامج على التعامل مع هموم املواطن معاملة الرق واالستعباد، فال هي التي أوجدت الحلول الناجعة لها، وال هي التي أعتقتها لتتحرر وتبحث عن منافذ أخرى. إن ملـحـة فـاحـصـة ملــقــدار الــبــذخ الـــذي يعيشه كــل مــن مـعـالـي املــذيــع وضـيـوفـه األكابر، كافية ألن تـدرك بعدها سبب أزمـة املواطن وسر بقاء همومه الكبيرة على حالها منذ سنوات طويلة، هم ليسوا أغبياء حتى يسعوا لحل املشاكل من جذورها، فهي املنجم الحقيقي الذي تقتات عليه برامجهم وهي السلعة الرائجة التي يصنعون منها ثرواتهم

الطائلة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia