Okaz

«كم سنة وشهور».. جواز مروره إلى «النجومية»

-

بدأ صاحبنا يشعر برغبة دفينة في الغناء، تلك الرغبة التي بدأت بالدندنة بينه وبني نفسه، ثم تطورت إلى الغناء أمــام بعض أصدقائه املقربني، فالغناء أثناء الرحالت الترفيهية إلى مناطق البحرين املختلفة مع شباب الحي الذي كان يسكن فيه -خصوصا رحالت يوم الجمعة إلى (عني عبدان) في جزيرة سترة-. يـقـول فناننا فـي الــحــوار املــرئــي، الــذي سبق اإلشارة إلـيـه، إنــه وزمـــالءه تمكنوا مـن توفير جهاز تسجيل بــهــدف اخــتــبــ­ار أصــواتــه­ــم فــي الــغــنــ­اء، مضيفا أنهم سجلوا بأصواتهم أغاني ملطربني آخرين، وأن البداية كانت مع ماجد عون، ثم تبعه هو فاستحسن «الربع صوتي وقالوا إنه جميل وال بد أن أطرق باب الغناء» وأال أكتفي بالعزف. وهكذا اختمرت الفكرة في رأس فناننا وبـــدأ يتخيل نفسه واقــفــا عـلـى املــســرح وهو يشدو من خالل املايكروفو­ن بأعذب الكلمات واأللحان فيما الجماهير تصفق له إعجابا. صــادف فـي هـذه الفترة استضافة «فـرقـة أســرة هواة الفن» للمطرب اليمني محمد السقاف (صاحب أغنية ال بكى ينفع وال شكوى تفيد) في حفل غنائي ساهر، فاقترح السقاف، الــذي كـان مـسـرورا بإعجاب محمد علي عبدالله بفنه ومالزمته له وإصراره على التعلم منه، أن يشاركه األخير في الحفل بأداء أغنية، فغنى صاحبنا أغنيته األولى، وكانت بعنوان «أال يا ريت» من ألحانه وكلمات عبدالحميد أسد. وقد لقيت هذه األغنية ترحيبا كبيرا مـن قبل الجمهور البحريني والخليجي، بدليل أن صاحبها قفز فجأة إلى مصاف نجوم الطرب الكبار، األمـر الـذي عـزاه أغلب املراقبني والنقاد إلى صوت فناننا املميز الذي قال عنه األستاذ يــوســف مـحـمـد فــي كــتــاب «عــنــوا عـلـى الــبــال» إن سر صوته يكمن في كمية الشجن والحزن املوجودة فيه. نحن اآلن في مطلع الستينات، حيث الكويت استقلت وبدأت تخطو بثبات نحو تقديم نفسها على الساحة الخليجية كرائدة في الثقافة والفنون واآلداب والعلوم، وكقبلة للباحثني عـن الشهرة الفنية، خصوصا مع افتتاح معاهد املوسيقى والتمثيل املسرحي وتأسيس فرقة إذاعة الكويت املوسيقية. والحقيقة أن الوصول إلـى إذاعــة الكويت والتسجيل مع فرقتها املوسيقية كانا في هذه الحقبة حلما من األحالم عند الكثيرين، ومنهم محمد علي عبدالله الذي فشل في الدخول إلى اإلذاعة الكويتية مرتني (ألنه كان اسما جديدا، ثم ألنه جاء دون إخطار مسبق)، قبل أن ينجح في املرة الثالثة بفضل وساطة قام بها مواطناه امللحن عيسى جاسم واملطرب الكويتي ذو األصول البحرينية يحيي أحمد لدى لجنة اختيار النصوص واملسؤولني عن الفرقة املوسيقية سجل فناننا لإلذاعة الكويتية وقتذاك أغنيتني هما: «كم سنة وشهور» من ألحانه وكلمات سليمان املضف، و«الــحــبــ­يــب الــلــي هــويــتــ­ه» مــن الــحــان عـيـسـى جاسم وكلمات سليمان املضف أيضا. والحقيقة أن األغنية األولـــــ­ى هــي الــتــي كــانــت بـمـثـابـة جــــواز مـــــروره نحو النجومية والشهرة، ومثلت نقطة تحول جوهرية في مسيرته، فجعلته رائــدا من رواد األغنية البحرينية الحديثة جنبا إلـى جنب مع زميليه إبراهيم حبيب وأحمد الجميري. في أعقاب النجاح الذي تحقق له من وراء هذه األغنية ذات الكلمات الحزينة واأللحان الشجية، قرر فناننا السفر إلى القاهرة، عاصمة الفن والنجومية، من أجل صقل موهبته بالدراسة األكاديمية، إال أن أمرين وقفا حائال في طريقه؛ هما مدة الدراسة الطويلة املمتدة إلى سبع سنوات من جهة، والتكاليف املالية الكبيرة لهذه الفترة من جهة أخرى. وعليه حول مساره باتجاه معهد اإلذاعة والتلفزيون كي يغدو مخرجا. وبالفعل أنهى دراسته في اإلخراج وتخرج من املعهد املصري املذكور في عام .1974 وحينما عاد إلى البحرين في تلك السنة انضم إلـى إدارة الثقافة والفنون بوزارة اإلعــــال­م الـبـحـريـ­نـيـة، لـيـعـمـل بــهــا الــســنــ­وات الخمس التالية بمسمى مـخـرج. وبحلول مطلع الثمانينات كـان محمد علي عبدالله قد تـرك وظيفته الحكومية واتـــجـــ­ه إلـــى األعـــمــ­ـال الـــحـــر­ة بــــدءا بــافــتــ­تــاح «سوبر مــاركــت»، وانـتـهـاء بتأسيس شركة للعالقات العامة واأليــدي العاملة. غير أن الرجل سرعان ما فطن إلى حقيقة أنــه لــم يخلق للتجارة أو أي شــيء آخــر غير الفن، فهجر األعمال الحرة التي لم يوفق فيها، وكان بصدد الـعـودة مـجـددا إلــى عشه الـدافـئ لــوال تربص املرض اللعني به وهو في زيـارة إلى الكويت في عام 2002 كما أسلفنا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia