Okaz

تلقي «بليه» امليكانيكي في ورش العروس

- حسام الشيخ (جدة) @hussamalsh­ikh

بـــاءت كــل مــحــاوال­ت إخــراجــه مــن تـحـت السيارة بالفشل، وأصر أن يحكي حكايته، بنظرات خاطفة مـن بـني فــراغــات صــاج الـسـيـارة والكفر األمامي، أثناء إصالح الـ«عكس»، فطريقة عمله غريبة، ال يعتمد فيها على البصر، لدرجة أن بإمكانه أن يؤديه، حتى ولو كان معصوب العينني. لم يتخيل أحمد عبدالرازق الشهير بـ«بليه» أن قصوره في استيعاب قواعد اللغة العربية، سيكون سببا في انـــتـــق­ـــالـــه إلــــــى عـــــروس الــــــبـ­ـــــحــــ­ــر األحــــــ­ــمـــــــ­ـر، بـــــــــ­ـعــــــــ­ــدمــــــ­ــــا تـــــــــ­ـرك املــدرســ­ة قبل 15 عـــــامــ­ـــا، وفضل أن يـــــعـــ­ــيـــــش فـــــــــ­ـــــــي شـــــــــ­ـــــــارع الــورش بمدينة الزقازيق، باحثا عـــــــــ­ـن «صــــــنــ­ــــعـــــ­ـة» تـنـفـعـه فـــي حياته، بـــعـــد أن حـــصـــل على صــــفــــ­ر فــــــي مـــــــــ­ــادة اللغة العربية. شـــهـــر كــــامـــ­ـل قــــضــــ­اه فـــــي شـــــــار­ع الــــــور­ش بالزقازيق، دون أن يحصل على جنيه واحد، يــســاعــ­د هــــذا فـــي الــبــحــ­ث عـــن مــفــتــا­ح 41، ويـــنـــا­ول ذاك الـــكـــو­ريـــك لـــرفـــع السيارة، ويشتري مسامير للزبون املستعجل، ويـــــــج­ـــــــري خـــــلـــ­ــف آخــــــــ­ـر ليخبره بمكان ورشـة إصـالح السيارات األوتــــو­مــــاتـــ­ـيــــك، وحـــــني غاب أحـــد الــعــمــ­ال الــصــغــ­ار في ورشــة امليكانيكا، طلب صـــاحـــب­ـــهـــا أن يحل مــــــحــ­ــــلـــــ­ـه، ومـــــنــ­ـــذ تــــلــــ­ك اللحظة الــــــتـ­ـــــصــــ­ــق به اسم «بليه». أخــــــــ­ــــــــيـ­ــــــــــ­ـــــرا. خرج «بليه» من تحت السيارة، ليكمل: «قضيت ســنــوات طويلة تحت الــســيــ­ارات، حتى أصبحت أهــم «صنيعي» فــي الــورشــة، ثــم جـــاءت الفرصة للعمل في ورشـة سيارات بجدة».. صمت قليال.. زاغت عيناه بعيدا.. ابتسم، ثم قال: تركت املدرسة، ألنــي بالفعل لــم أكــن أهـــوى الـتـعـلـي­ـم، ورغـــم أني أكــســب اآلن ضعفي راتـــب زمــالئــي املتعلمني، إال أنهم في النهاية «أفندية». سبعة أعــــوام، قـضـاهـا «بـلـيـه» فــي جـــدة، أثقلت خبرته، في إصـالح جميع أنواع الــســيــ­ارات، وجــعــلــ­ت آماله عريضة، إذ ينتوي فتح ورشــــــت­ــــــه الخاصة حـــني عـــودتـــ­ه إلى الزقازيق، ليكتب عـلـيـهـا بالخط الــــــــ­ـــعــــــ­ـــــريـــ­ــــــــض «ورشــة عروس البحر األحمر.. لــــــصــ­ــــاحــــ­ــبــــــه­ــــــا بليه». فيما تظل أجمل ساعاته، تلك الـــتـــي يــقــضــي­ــهــا أمام بــحــر جــــدة، يـــوم الجمعة مــــــن كــــــل أســـــــب­ـــــــوع، ليصطاد السمك، يلقي صـنـارتـه، ينتظر ساعات، يـحـلـق خــاللــهـ­ـا بــذاكــرت­ــه إلـــى مــديــنــ­تــه، متذكرا أيــام طفولته، التي لم يستمتع بها، يستحضر نــصــائــ­ح أمـــه وأبــيــه الــتــي لــم يــعــرهــ­ا اهتماما، يستفيق فـجـأة على حـركـة الـصـنـارة، يسحبها بسرعة، يكتشف أنها لم تلتقط شيئا.. يعيدها مـرة ثانية، غير أنها في كل مـرة تخرج خالية. يؤمن «بليه» أن األمـانـة مفتاح النجاح في أي مهنة، فاملعروف عنه أنه «ميكانيكي شاطر» ال يطلب قطعة غيار جديدة إال لو كانت القطعة القديمة قـد استهلكت تماما، فهو يضع نفسه مــكــان صــاحــب الــســيــ­ارة، ويـعـلـم تـمـامـا أن قطع غــيــار الـــســـي­ـــارات غــالــيــ­ة الــثــمــ­ن. مـنـهـيـا حديثه بـقـولـه: «الــنــاس هنا طـيـبـون، وبـصـراحـة أنــا ال أستغل طيبتهم، فاملعروف عني أنـي واحـد من الصنيعية القليلني الذين عندهم ضمير».

 ??  ?? أحمد عبد الرازق
أحمد عبد الرازق

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia