Okaz

إصالحاتنا االقتصادية... ال ُبَّد َّما ليس منه ُبٌّد

-

لـــــم يـــتـــوق­ـــع الــــكـــ­ـثــــيـــ­ـرون مــــــــر­ور اقتصادنا الــســعــ­ودي بــالــحــ­الــة الــتــي يـعـيـشـهـ­ا حاليا. وهـــي حــالــة جــمــعــت بـــن الـتـطـبـي­ـق الصارم لحزمة من اإلصالحات االقتصادية من جهة، وانخفاض عـائـدات مصدر دخلنا الرئيسي نتيجة االنخفاض الكبير الذي لحق بأسعار الـنـفـط، مــن جهة أخـــرى. والــوصــو­ل إلــى تلك الحالة كان متوقعا، ولذا طالبنا منذ سنوات بأن نستعد لها، وطالب الكثيرون منا بالبدء باإلصالحات االقتصادية منذ ذلك الزمن. لــكــن حــالــة إيـــــراد­ات الـنـفـط املـرتـفـع­ـة أحدثت لـديـنـا تــراخــيـ­ـا، دفــع إلــى الــتــراج­ــع عــن إلغاء بـعـض اإلصـــالح­ـــات مـثـل إعــانــات الكهرباء. ووصــلــنـ­ـا حـالـيـا إلـــى املــرحــل­ــة الــتــي ال يمكن فــيــهــا تــأجــيــ­ل هـــــذه اإلصـــــا­لحـــــات، أو حتى الــتــدرج فيها. فنحن اآلن أمــام مفترق طرق يـــؤدي اخــتــيــ­ارنــا الــســيــ­ر فــي أحــدهــا إلـــى أن

ُِ نـكـون أو ال نـكـون اقــتــصــ­اديــا. فــســوق النفط قـــد تـــغـــيـ­ــرت هــيــكــل­ــيــا، وال عــــــودة ألنماطها الـقـديـمـ­ة حــن كــنــا واألوبــــ­ـك نسيطر عليها، والتأقلم مـع أسـعـار نفط منخفضة سيكون ضرورة حتمية في السنوات القادمة. وكثير من أنماطنا االستهالكي­ة، والهدر الحكومي والــــفــ­ــســــاد، وضـــعـــف كـــفـــاء­تـــنـــا اإلنتاجية، ومشاريعنا املتعثرة، وغياب جودة التعليم وقـــصـــو­ر الــكــثــ­يــر مـــن الــخــدمـ­ـات الــعــامـ­ـة عن

ا ومستقبال - أمور ال يمكن لها أن تستمر. وباختصار شـديـد، فــإن استمرار اقتصادنا على وضعه الريعي، كـان أمــرا غير مستدام، وله عواقب خطيرة مستقبال؛ إذ سينتهي بنا إلى انكماش اقتصادي يمتد لفترات طويلة. أما «رؤية »2030 التي يسهل على الكثيرين

انتقادها هذه األيام -بعلم وبغير علم-، فـهـي خــارطــة منهجية تـدلـنـا عـلـى الطريق الـواجـب اتباعه، للتقليل من اعتمادنا شبه الـــكـــا­مـــل عــلــى الـــنـــف­ـــط، ذلــــك االعـــتــ­ـمـــاد الذي كـان سبب سعادتنا فـي املـاضـي، وقـد يكون -باستمراره- سبب شقائنا في املستقبل. ال أحد يمكنه أن يدعي أن «رؤية »2030 ليس بها عــيــوب، غير أن وجــود آلــيــات تصحيح ملسارها خـالل تطبيق برامجها سيقلل من الـتـخـوفـ­ات الـقـائـمـ­ة، ويـدفـعـهـ­ا إلــى تحقيق أفضل املكاسب بأقل التكاليف. وكنا وما زلنا نعيب على تلك الرؤية ضبابية بـعـض تفاصيلها، واقــتــصـ­ـار تـوضـيـح تلك الــتــفــ­اصــيــل عــلــى عـــــدد مــــحــــ­دود مــــن نخب املجتمع؛ فطالبنا بتوسيع دائـرة املشاركن فــي نـقـاشـهـا مــن خـــالل مـخـتـلـف املنتديات، ومنها الجامعات والغرف التجارية واألندية األدبية واالجتماعي­ة التي أصبحت متنفسا

ا في مختلف مدن اململكة. وكلنا أمل أن يصار إلى تحقيق ذلك بسرعة؛ ليمكن تالفي اآلثار السلبية على االقتصاد نتيجة لتسيد اإلشـــاعـ­ــات وتضخيمها مــن خـــالل مختلف وسائل اإلعالم االجتماعي. وختاما، فال أحد ينكر أن أعباء اإلصالحات االقــتــص­ــاديــة كــبــيــر­ة جــــدا، وال أحــــد يطالب

ٌُّ بـــالـــت­ـــهـــويـ­ــن مــــن شــــأنـــ­ـهــــا، لـــكـــنـ­ــهـــا ضـــــــرو­رة وتصحيح ال مــفــر مـنـه، وهــي فـتـرة وستمر ولن تطول -بإذن الله- وسنتعلم منها الكثير مـــن الــــــــ­ـدروس، فــتــصــب­ــح مــقــاومـ­ـتــنــا أفضل

ا، واألهم من كل ذلك أن اقتصادنا سيتحول إلى اقتصاد منتج يعتمد على املواطن ذي املهارة والقدرة على االبتكار واإلبداع.

مستشار اقتصادي ونفطي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia