إفالس الشركات ظاهرة حتتاج إلى سرعة عالج
التجارة في عـرف التجار تعتمد على الثقة بــني املتعاملني فيها، وبانعدام الـــثـــقـــة تـــفـــشـــل الـــصـــفـــقـــات أو تتعثر وتنتهي إلى املحاكم والتحكيم، وبالثقة تنمو وتتطور التعامالت التجارية. واالستثمار ينتقل من قطاع إلى قطاع آخر ومن دولة إلى دولة؛ حسب توفر األجواء املناسبة واملشجعة لالستثمار والـجـاذبـة لــه، ومنها تـوفـر األنظمة والـقـوانـني الجاذبة لالستثمار ووقف الفساد والبيروقراطية في التعامالت. وتنمو وتــزدهــر االسـتـثـمـارات إذا وجـــدت مــن يشجعها ويدعمها ويحفزها، وتهرب وتتجمد االستثمارات إذا واجهت حمالت التشكيك والتهديد والوعيد من بعض املسؤولني القائمني على االستثمار أو نتيجة التغيير املــســتــمــر فـــي األنـــظـــمـــة والـــقـــوانـــني والـــلـــوائـــح الجاذبة لالستثمار. ومن أكثر ما يقلق املستثمرين املحليني والدوليني املفاجأة واملباغتة في إصدار القرارات املتعلقة باالستثمار. والــحــقــيــقــة أن مـــا يــدفــعــنــي لــهــذه املــقــدمــة هـــو تصريح بعض كبار املسؤولني في األسابيع املاضية بعدم قلقهم تــجــاه إفـــالس بـعـض كــبــار الــشــركــات الـعـامـلـة فــي مجال املـقـاوالت والخدمات الصحية وبعض صغار املقاولني وخـــــروج بــعــض املــؤســســات الــصــغــيــرة واملــتــوســطــة من العمل الـتـجـاري، حيث صــرح أحــد املـسـؤولـني تصريحا مقلقا للمستثمرين مـفـاده أنــه يتوقع لبعض الشركات واملؤسسات في القطاع الخاص خسائر بسبب إجراءات الـتـصـحـيـح االقــتــصــادي ووضـــع االقــتــصــاد بـشـكـل عام، مـعـربـا أن هــذا اإلفـــالس لـيـس بسبب قــــرارات الحكومة، مطالبا رجـــال األعــمــال قـبـول الــــدورة االقـتـصـاديـة التي نعيشها. حقيقة، لقد صدمت من هذا التصريح االستفزازي ملناخ االســتــثــمــار وتـحـمـيـل الــســبــب إلـــى الــتــحــول االقتصادي واالقـتـصـاد بصفة عـامـة، وأن الحكومة ال دخــل لها وال تتحمل املـسـؤولـيـة، واعـتـبـر أن اإلفـــالس حـالـة طبيعية تظهر في العالم باستمرار وهي حالة مرتبطة بالدورة االقتصادية، وإن كانت املعلومة صحيحة إال أن تأكيدها بــالــتــوقــع بـــاإلفـــالس لبعض الـــشـــركـــات واملـــؤســـســـات هو املــــقــــلــــق والــــــــــذي قـــــد يسبب حالة مـن اإلحـبـاط والخوف والــــــــتــــــــراجــــــــع فــــــــي قـــــــــــــرارات االســـتـــثـــمـــار الــــقــــادمــــة، وأن التنصل عــن دعــم ومساندة الـــشـــركـــات الـــتـــي تــعــانــي من ظــــروف اقــتــصــاديــة ومــراقــبــتــهــا حــتــى تـسـقـط ويتوقف نشاطها هي في وجهة نظري تهرب من املسؤولية التي نص عليها الحديث النبوي (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، والخطر في إفالس الشركات الكبيرة واملتوسطة ليس في توقف نشاط الشركة وإفــالس أصحابها فقط، وإنما يصل أثر التوقف إلى شريحة كبيرة من املتعاملني معها؛ ســواء كانوا مؤسسات من الباطن أو مـورديـن أو موظفني، ثم ينتقل األثر إلى املجتمع بأكمله. وعلى سبيل املثال، إن توقف أي مستشفى خاص يعني نقص الخدمات الصحية املقدمة لذلك املجتمع في املدينة أو املــنــطــقــة، وبــالــتــالــي نـقـصـا فــي عـــدد األســـــرة ونقصا في عـدد األطباء ونقصا في خدمات الـطـوارئ وغيرها، ويــعــنــي تــســريــح آالف املــوظــفــني واألطــــبــــاء واملمرضني وانعكاس توقفهم على الخدمات املقدمة لهم مـن سكن وتعليم وتسويق ومبيعات للسلع الكمالية واألساسية. وكذلك الحال في إفالس شركات املقاوالت الكبيرة، فإنه يعني توقف مئات اآلالف من املوظفني عن العمل، وبنفس األثــر ينعكس على جميع املتعاملني معهم والخدمات املرتبطة بهم. والـحـقـيـقـة، كـــان يـمـكـن تــــدارك إفـــالس بـعـض مــن كبار الشركات بطرق عديدة؛ مــــنــــهــــا تــــــدخــــــل بعض الــصــنــاديــق الحكومية بـــــشـــــرائـــــهـــــا أو شــــــــراء حــصــص فــيــهــا ضمانا الســـــــتـــــــمـــــــرارهـــــــا، مثل تــــدخــــل الـــــدولـــــة بشراء أحـد أكبر البنوك التجارية السعودية في املاضي، ومن الحلول دمج بعض الشركات املتعثرة مع بعض الشركات الـحـكـومـيـة املـشـابـهـة فــي الــنــشــاط أو دمـجـهـا مــع بعض شــركــات الـقـطـاع الــخــاص والـبـحـث عــن بــدائــل خارجية، ولن أسرد عدد الشركات -كبيرة أو صغيرة- التي تواجه شبح اإلفــالس، ولكنني أطالب الدولة والجهات املعنية بــاالســتــثــمــار بـــضـــرورة اإلســـــراع بــإنــشــاء غــرفــة عمليات طوارئ لدعم ومساندة الشركات واملؤسسات التي تواجه صعوبات اقتصادية، ومن أسباب إفالس البعض تأخر اســتــالم الــحــقــوق مــن الــدولــة أو سـحـب بـعـض املشاريع الحكومية أو فرض الغرامات وغيرها. إن هذه التصريحات الصادمة لها آثار سلبية على القرار االقــتــصــادي لالستثمار، وقــد سبق أن صــرح أحــد كبار املسؤولني أن اململكة على وشك اإلفـالس خالل السنوات الــثــالث الــقــادمــة إذا لــم تـجـر عمليات جـراحـيـة لسياسة الـصـرف واللجوء إلـى سياسة ترشيد اإلنـفـاق مـن خالل إلغاء البدالت للموظفني ووضع رسوم وضرائب جديدة، وهـــي إجـــــراءات سـهـل جـــدا تطبيقها بــقــرار مــن الدولة، لكنها وإن كانت ستعالج بعض العجز في امليزانية إال أنها سوف تضعف القوى الشرائية التي ستضعف نمو بعض القطاعات في القطاع الخاص. إن سياسة الترهيب والتخويف للقطاع األهلي نتائجها جدا سيئة، وأجزم أن سياسة الدعم واملساندة والتشجيع واملساعدة لحل بعض العقبات بما فيها التمويل سوف تسهم في تحقيق نتائج أفضل من الترهيب والتخويف ملستقبل القطاع الخاص. وإنـــنـــي أجـــــزم بــــأن نــتــائــج هــــذه الــتــصــريــحــات املحبطة واملــنــذرة لـإفـالس لـن تسهم فـي دخــول مستثمرين جدد خــوفــا مــن الــوضــع الـقـلـق املــــؤدي إلفــــالس دولــــة، وأنــــا ال ولـن أقبل بفكرة إفــالس دولــة اململكة العربية السعودية صاحبة أكبر مخزون بترولي وغاز وثروة معدنية كبيرة، باإلضافة إلى عوائد فرض رسوم جديدة والتوجه لفرض الضريبة املضافة وضريبة الشركات في املستقبل القريب. وبمتابعة أسعار البترول خالل الشهر الحالي فإن األمل كبير في القدرة على تجاوز فكرة اإلفالس التي يروج لها البعض إلبراز السياسات االقتصادية الجديدة.