Okaz

إفالس الشركات ظاهرة حتتاج إلى سرعة عالج

- * كاتب اقتصادي سعودي د. عبداهلل صادق دحالن * abdullahda­hlan@yahoo.com

التجارة في عـرف التجار تعتمد على الثقة بــني املتعاملني فيها، وبانعدام الـــثـــق­ـــة تـــفـــشـ­ــل الـــصـــف­ـــقـــات أو تتعثر وتنتهي إلى املحاكم والتحكيم، وبالثقة تنمو وتتطور التعامالت التجارية. واالستثمار ينتقل من قطاع إلى قطاع آخر ومن دولة إلى دولة؛ حسب توفر األجواء املناسبة واملشجعة لالستثمار والـجـاذبـ­ة لــه، ومنها تـوفـر األنظمة والـقـوانـ­ني الجاذبة لالستثمار ووقف الفساد والبيروقرا­طية في التعامالت. وتنمو وتــزدهــر االسـتـثـم­ـارات إذا وجـــدت مــن يشجعها ويدعمها ويحفزها، وتهرب وتتجمد االستثمارا­ت إذا واجهت حمالت التشكيك والتهديد والوعيد من بعض املسؤولني القائمني على االستثمار أو نتيجة التغيير املــســتـ­ـمــر فـــي األنـــظــ­ـمـــة والـــقـــ­وانـــني والـــلـــ­وائـــح الجاذبة لالستثمار. ومن أكثر ما يقلق املستثمرين املحليني والدوليني املفاجأة واملباغتة في إصدار القرارات املتعلقة باالستثمار. والــحــقـ­ـيــقــة أن مـــا يــدفــعــ­نــي لــهــذه املــقــدم­ــة هـــو تصريح بعض كبار املسؤولني في األسابيع املاضية بعدم قلقهم تــجــاه إفـــالس بـعـض كــبــار الــشــركـ­ـات الـعـامـلـ­ة فــي مجال املـقـاوال­ت والخدمات الصحية وبعض صغار املقاولني وخـــــروج بــعــض املــؤســس­ــات الــصــغــ­يــرة واملــتــو­ســطــة من العمل الـتـجـاري، حيث صــرح أحــد املـسـؤولـ­ني تصريحا مقلقا للمستثمرين مـفـاده أنــه يتوقع لبعض الشركات واملؤسسات في القطاع الخاص خسائر بسبب إجراءات الـتـصـحـي­ـح االقــتــص­ــادي ووضـــع االقــتــص­ــاد بـشـكـل عام، مـعـربـا أن هــذا اإلفـــالس لـيـس بسبب قــــرارات الحكومة، مطالبا رجـــال األعــمــا­ل قـبـول الــــدورة االقـتـصـا­ديـة التي نعيشها. حقيقة، لقد صدمت من هذا التصريح االستفزازي ملناخ االســتــث­ــمــار وتـحـمـيـل الــســبــ­ب إلـــى الــتــحــ­ول االقتصادي واالقـتـصـ­اد بصفة عـامـة، وأن الحكومة ال دخــل لها وال تتحمل املـسـؤولـ­يـة، واعـتـبـر أن اإلفـــالس حـالـة طبيعية تظهر في العالم باستمرار وهي حالة مرتبطة بالدورة االقتصادية، وإن كانت املعلومة صحيحة إال أن تأكيدها بــالــتــ­وقــع بـــاإلفــ­ـالس لبعض الـــشـــر­كـــات واملـــؤسـ­ــســـات هو املــــقــ­ــلــــق والـــــــ­ـــذي قـــــد يسبب حالة مـن اإلحـبـاط والخوف والـــــــ­ـتــــــــ­راجـــــــ­ـع فــــــــي قـــــــــ­ــــرارات االســـتــ­ـثـــمـــا­ر الــــقـــ­ـادمــــة، وأن التنصل عــن دعــم ومساندة الـــشـــر­كـــات الـــتـــي تــعــانــ­ي من ظــــروف اقــتــصــ­اديــة ومــراقــب­ــتــهــا حــتــى تـسـقـط ويتوقف نشاطها هي في وجهة نظري تهرب من املسؤولية التي نص عليها الحديث النبوي (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، والخطر في إفالس الشركات الكبيرة واملتوسطة ليس في توقف نشاط الشركة وإفــالس أصحابها فقط، وإنما يصل أثر التوقف إلى شريحة كبيرة من املتعاملني معها؛ ســواء كانوا مؤسسات من الباطن أو مـورديـن أو موظفني، ثم ينتقل األثر إلى املجتمع بأكمله. وعلى سبيل املثال، إن توقف أي مستشفى خاص يعني نقص الخدمات الصحية املقدمة لذلك املجتمع في املدينة أو املــنــطـ­ـقــة، وبــالــتـ­ـالــي نـقـصـا فــي عـــدد األســـــر­ة ونقصا في عـدد األطباء ونقصا في خدمات الـطـوارئ وغيرها، ويــعــنــ­ي تــســريــ­ح آالف املــوظــف­ــني واألطــــب­ــــاء واملمرضني وانعكاس توقفهم على الخدمات املقدمة لهم مـن سكن وتعليم وتسويق ومبيعات للسلع الكمالية واألساسية. وكذلك الحال في إفالس شركات املقاوالت الكبيرة، فإنه يعني توقف مئات اآلالف من املوظفني عن العمل، وبنفس األثــر ينعكس على جميع املتعاملني معهم والخدمات املرتبطة بهم. والـحـقـيـ­قـة، كـــان يـمـكـن تــــدارك إفـــالس بـعـض مــن كبار الشركات بطرق عديدة؛ مــــنــــ­هــــا تــــــدخـ­ـــــل بعض الــصــنــ­اديــق الحكومية بـــــشـــ­ــرائـــــ­هـــــا أو شــــــــر­اء حــصــص فــيــهــا ضمانا الســـــــ­تـــــــمـ­ــــــراره­ـــــــا، مثل تــــدخـــ­ـل الـــــدول­ـــــة بشراء أحـد أكبر البنوك التجارية السعودية في املاضي، ومن الحلول دمج بعض الشركات املتعثرة مع بعض الشركات الـحـكـومـ­يـة املـشـابـه­ـة فــي الــنــشــ­اط أو دمـجـهـا مــع بعض شــركــات الـقـطـاع الــخــاص والـبـحـث عــن بــدائــل خارجية، ولن أسرد عدد الشركات -كبيرة أو صغيرة- التي تواجه شبح اإلفــالس، ولكنني أطالب الدولة والجهات املعنية بــاالســت­ــثــمــار بـــضـــرو­رة اإلســـــر­اع بــإنــشــ­اء غــرفــة عمليات طوارئ لدعم ومساندة الشركات واملؤسسات التي تواجه صعوبات اقتصادية، ومن أسباب إفالس البعض تأخر اســتــالم الــحــقــ­وق مــن الــدولــة أو سـحـب بـعـض املشاريع الحكومية أو فرض الغرامات وغيرها. إن هذه التصريحات الصادمة لها آثار سلبية على القرار االقــتــص­ــادي لالستثمار، وقــد سبق أن صــرح أحــد كبار املسؤولني أن اململكة على وشك اإلفـالس خالل السنوات الــثــالث الــقــادم­ــة إذا لــم تـجـر عمليات جـراحـيـة لسياسة الـصـرف واللجوء إلـى سياسة ترشيد اإلنـفـاق مـن خالل إلغاء البدالت للموظفني ووضع رسوم وضرائب جديدة، وهـــي إجـــــراء­ات سـهـل جـــدا تطبيقها بــقــرار مــن الدولة، لكنها وإن كانت ستعالج بعض العجز في امليزانية إال أنها سوف تضعف القوى الشرائية التي ستضعف نمو بعض القطاعات في القطاع الخاص. إن سياسة الترهيب والتخويف للقطاع األهلي نتائجها جدا سيئة، وأجزم أن سياسة الدعم واملساندة والتشجيع واملساعدة لحل بعض العقبات بما فيها التمويل سوف تسهم في تحقيق نتائج أفضل من الترهيب والتخويف ملستقبل القطاع الخاص. وإنـــنـــ­ي أجـــــزم بــــأن نــتــائــ­ج هــــذه الــتــصــ­ريــحــات املحبطة واملــنــذ­رة لـإفـالس لـن تسهم فـي دخــول مستثمرين جدد خــوفــا مــن الــوضــع الـقـلـق املــــؤدي إلفــــالس دولــــة، وأنــــا ال ولـن أقبل بفكرة إفــالس دولــة اململكة العربية السعودية صاحبة أكبر مخزون بترولي وغاز وثروة معدنية كبيرة، باإلضافة إلى عوائد فرض رسوم جديدة والتوجه لفرض الضريبة املضافة وضريبة الشركات في املستقبل القريب. وبمتابعة أسعار البترول خالل الشهر الحالي فإن األمل كبير في القدرة على تجاوز فكرة اإلفالس التي يروج لها البعض إلبراز السياسات االقتصادية الجديدة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia