احلق.. احلقيقة.. االعتدال
الصراع الثقافي للتيارات الفكرية في املجتمع ال ينتهي وال يتوقف -هـذه حقيقة يقرها الفالسفة وعلماء املجتمع-، حيث إن الصراع في ذاته ليس سيئا. مــا يجعله سلبيا أو إيجابيا هــو الغاية الـتـي يـقـوم عليها الــصــراع. الــصــراعــات السلبية لــهــا طـــرق كــثــيــرة وعـــديـــدة؛ كـلـهـا جــفــاء ال طائل منه، ألنها صراعات تبحث عن مصالح ذاتية أو فئوية.. أو صراعات يحاول أطرافها القضاء على بعضهم البعض من أجل إعـالء مفاهيم مختلف عليها، أو من أجل ترسيخ هوية شكلية مشكوك فــي أصــلــهــا تــحــاول فــئــة فــرضــهــا عــلــى الجميع. كـل أولـئـك على طريق الـوهـم يسيرون. فالصراع اإليجابي هو الـذي يسير في طريق واحـد -قادر عـلـى اسـتـيـعـاب وجــمــع األضــــداد واملتناقضاتوهـو طريق (الحقيقة)؛ التي ال تعنيها األضداد واملتناقضات، وال تعنيها املصالح، وال تعنيها املفاهيم والـهـويـات.. الحقيقة مطلقة. ولـكـن، من يـمـلـك الـحـقـيـقـة؟ ومـــن يــدعــي أنـــه صــاحــب الحق املطلق في تفسيرها؟ وأن مفهومه ال يفترض أن ينازع أو يختلف عليه؟ الـطـريـق إلــى الحقيقة مــوســوم بـالـقـنـاعـة التامة بـضـرورة البحث عنها؛ أي باتباع الحق وليس ادعـاؤه. فرحلة البحث عن الحقيقة تبدأ بالحق؛ بــــل نـــصـــف الـــطـــريـــق إلـــــى الــحــقــيــقــة هــــو الحق. والنصف اآلخر هو االقتناع بالحق. من بدأ على بــاطــل، فـفـكـره بــاطــل أســاســا.. ومــن بــدأ عـلـى حق ثـم لـم يقتنع بــه، وصــل فـي النهاية إلــى الباطل.. وليس الحقيقة. الصراع بني املذاهب واألحزاب واملنظمات -حسب وضعه الراهن في العالم كله- هو صراع ال جدوى وال طـائـل مـنـه. فلعبة شـد الحبل لـن تنتهي. كل طــــرف ســيــأخــذ حـــيـــزا زمــنــيــا يــنــتــصــر فــيــه على حساب اآلخر.. ثم تدور دائرة السوء. لــو بـــدأت كــل األطــــراف فــي الـبـحـث عــن الحقيقة.. لــســكــتــت كـــثـــيـــر مـــــن األصــــــــــوات املـــتـــحـــذلـــقـــة حد الـكـومـيـديـا، الـتـي تـجـد أرضـــا خصبة فــي طريق يرحب باملتحذلقني. ذلك املدعي للتدين الذي يرمي بذباب أفكاره عنوة فـي شــراب الـقـوم ثـم يغمسه بالكامل.. ويجبرهم على شربه وهو يحدثهم عن (الدين واإلعجاز).. ونـقـيـضـه املــدعــي لـلـتـحـرر الــــذي ال يـفـهـم معنى الــثــرثــرة ويـعـيـش بـإحـسـاس األفـضـلـيـة واحتقار كل من يخالفه االنفالت.. كال النموذجني سيقفان عند بـوابـة (الـحـق) التي ال يدخلها إال مـن يريد حقا الوصول للحقيقة. الحق يرافقه االعــتــدال، ومـن يبحث عن الحقيقة عليه أن ينشر ثقافة االعتدال؛ فهي مخرج لكثير من األباطيل، ومدخل لبوابة الحق.