إلغاء تدريس الدين!

من يراقب ردود أفعال كثير من العرب، يلحظ عليهم غلبة التطرف االنفعالي في األفكار واأللفاظ والتصرفات. مثال، بعد أن اشتعلت ظـاهـرة اإلرهـــاب والعنف املتدثرة باسم الـديـن في البلدان العربية، تعالت أصــوات كثيرة تنسب مـا يحدث مـن جـرائـم القتل واإلرهاب بأيدي بعض الشباب، إلى تأثرهم بكتب الدين املقررة عليهم في املــدارس، فتلك الكتب تعزز كراهية اآلخـر وتحرض على العنف، وأن عالج ذلــك يكون بإلغاء تـدريـس الـديـن فـي املـــدارس واالكـتـفـاء بتدريس األخالق والقيم بدال عنه! ثقافة التطرف، ال تـرى خيارا سـوى تدريس الدين أو عـدم تدريسه. فهذه القاعدة التي يسير عليها كل املتطرفني، ميل إلى اليمني، أو ميل الى اليسار، وال شيء غيرهما! ببساطة تامة، وثقة مطلقة، صدر الحكم بأن كتب الدين هي سبب اإلرهاب والعنف، وأن ال خالص من تلك الشرور إال بإلغاء تدريس الدين! ثقافة التطرف تطالب بمحو كتب الدين بأكملها! لم تقل أن ما تضمنته بعض كتب الـديـن مـن قيم الـكـره والتحريض على الــعــدوان والـعـنـف، كان إضافة محشورة في تلك الكتب في صورة شروحات وتعليقات وهوامش، ليس شـيء منها في املـن، وأنها في حاجة إلـى أن تنقى من تلك الشوائب الضارة التي أضيفت إليها، ثقافة التطرف لم تقل شيئا من هذا، وإنما مضت تطالب بإلغاء مقررات الدين، وإحالل مقرر لتعليم األخالق بدال عنها! في هذه األيام ترتفع في مصر ضجة أحدثتها إحدى الفضائيات املصرية عندما أعلنت في أحد برامجها أن وزارة التربية والتعليم في مصر قررت إلــغــاء مـــادة الـتـربـيـة اإلســالمــيــة والـتـعـويـض عنها بـتـدريـس كـتـاب (القيم واألخـالق واملواطنة) في جميع املراحل التعليمية. وبدت مقدمة البرنامج مبتهجة بـهـذا التغيير، كما لـو أنـهـا ضمنت بـذلـك الـقـضـاء على اإلرهاب والفساد، والتحول في لحظة إلى عالم من النقاء ال تجد فيه سوى السالم والصدق واألمانة والعفة! من التطرف الصريح، الظن أن تدريس كتاب في األخالق والقيم، قادر على إصالح أخالق الناس، ولو أخذنا أمريكا مثاال لوجدنا أنها ال تدرس علوما في الدين، وتقتصر على تدريس األخالق، فما النتيجة التي حصدتها؟ هل يعد مستوى األخالق مرتفعا في أمريكا؟ قد يكون هناك تميز في جانب األخالق املتصل باالنضباط واألمانة وإتقان العمل واحــتــرام اآلخـريـن وتـأديـة الحقوق ومــا شابه ذلــك، لكن هــذا التميز ليس بفضل تدريس األخـالق وإنما هو يجير إلى األنظمة الصارمة التي تطبق على من يخالف ذلك. التعليم الديني مملوء بالقيم األخالقية العليا، التي لو أحسن تقديمها لـلـطـالب لـسـاعـدت عـلـى إكـسـابـهـم الـسـلـوك االجـتـمـاعـي املــطــلــوب، فتدريس األخالق من منظور ديني يساعد على اعتناقها وتطبيقها، أكثر من تدريسها من منظور دنيوي مجرد، فالخوف من الله وانتظار األجر واملثوبة منه هي عوامل قوية تحرض على االستجابة والتفاعل مع الخلق الكريم. لكن ثقافة التطرف، ال ترى خيارا سوى امليل أقصى اليمني أو أقصى اليسار!

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 االتصاالت أو 636250 موبايلي أو 738303 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة