Okaz

°UN —UF ‪»uFAK Ë AEAErN‬ —UF ¡ULŽeK

-

هذه أول مرة أعبر فيها املحيط بعد اإلجراءات األخيرة التي سمعت عنها.. كنت أهيﺊ نفسي وأسـرتـي لنقلة غير طبيعية من حياتي.. كـان التفكير في أمريكا مختلفة مؤملا للعقل والقلب.. موظف الجوازات في (شيكاغو) منحني تكريما معنويا حارا قال لي «مرحبًا بك في أمريكا» استجمعت مشاعري وقلت له شكرًا كنت شارد العينني في حالة انفعال داخلي لم أستطع أن أخفيه.. موظف الجمارك كان شابًا يافعًا يقﺺ شعره على طريقة تاميذ الكليات العسكرية رحــب بـي هـو اآلخــر بعد ذلــك سألني األسئلة املـعـتـاد­ة واملختصرة التي عهدتها فـي كـل رحلة إلــى أمـريـكـا.. كنت أعجل إجــراءاتـ­ـي أللحق بالطائرة املتجهة إلى (كنساس) علمني السفر كيفية إنهاء إجراء اتي على عجل.. علمني رؤية األمـاكـن والتفاعل معها وإقـامـة عـاقـات حميمة مـع املـطـارات والــشــوا­رع واألبنية وامليادين واملقاهي والبشر.. ينسكب املطر على نافذة الطائرة ويسبح على الزجاج وهي تقف على املمر املوصل لباحة مطار (كنساس).. جلست في العربة ملجوما بالصمت أتأمل األضواء البرتقالية وأجوس في ممالك األمس.. أعاود تركيب األحام القديمة وأفكك احتماالت تنتصب أمامي في هذا الزمن األعمى.. قبل أن أصل إلى منزلي انشغلت في تنشيف رأسي وكتفي وحذائي بمناديل ورقية.. كانت (كنساس) كعادتها في معظم األيـام يتساقط الـرذاذ من سمائها ويكتسي بكل األلوان وينخدر بأحاسيس من يتأملون املشهد.. وصلت بيتي.. وصلت إلى الشارع الذي يوحي باسمه تمامًا (املياه الصافية) جارتي وزوجها في الحديقة يلمحون مجيئي يندفعون نحوي لتحيتي الكلب األسـود الضخم يتبعهم، ينبح كعادته بفجور يربض ساكنًا ويحك أنفه في العشب حاملا يتعرف علي، أتركه كفحمة تحترق بﺈهمال.. يدعوني جاري لزفاف ابنته بعد غد.. يعلمني أنه ترك دعوتي لدى (أم فراس) أشكره وأدخل املنزل يأتي صوت (أم فراس) يا إلهي ثيابك مبللة يجب أن تخلعها حتى ال تصاب بالبرد.. أخلع مابسي وأخذ دشًا دافئًا وأغوص في الراحة والدفء أمكث أمام املدفأة.. تغطي (أم فراس) قدمي بشال صوفي يأتي طفلي الكبير (آدم) حفيدي أغلى أطفال العالم.. أحتضنه يجتاحني دفء بــاذخ.. شجرة التني في الخارج كما تركتها أملحها من النافذة العريضة املمتدة ال تزال كبريتية اللون مشعشعة.. املطر يشتد والضباب الخفيف يغطي أسطح املنازل القرمدية شجرة التني تنتصب في حديقتي املقدسة في قلب هذه األرض كل ورقة فيها قمر في اكتماله يتدلى غصن واألغصان سماء مكوكبة.. هذه الشجرة بعمر إقامتي بهذه الدار.. خمس وعشرون عامًا مسربلة.. أذهب لفرح ابنة جاري الطفلة التي كانت توقظني ببكائها صغيرة عن النوم الهنيء أحيانًا تتبختر في فستانها األبيض تحت عريشة من األخشاب املتعاكسة تشكل سقفًا فوقها يسمح بالنور يتخلله نور يأتي من السماء واألرض في وقـت واحــد وكأنه وهـج من الذهب والنحاس الــذي يتﻸأل في السماء الصافية دون أن يحرق أو يعطل الحواس.. كبرت تلك الطفلة صـارت امـرأة نظراتها تكسر الصخر أنثى تبتسم لها ثغر السماء أصبحت ينبوعا من ماس مجللة بالنجوم واضحة كالضوء تمشي مزدانة باألبيض كان الفرح يمتلﺊ باألغاني وقطرات العنب الكل مثل نسيم املرح حتى العجائز كانوا يرقصون بكعوب عالية حيث نواح الكمان واألكورديو­ن تتراقﺺ األنغام جذال بني الحضور.. اليوم التالي صحوت مثل دودة مهروسة كنت مرهقًا للغاية كأن سيارة قد صدمتني.. ذهبت لعيادة زميل لي طبيب جمعتنا مقاعد الدراسة يعمل بمجمع طبي مع زماء آخرين تربط بيننا زمالة ممتدة وود وأشياء كثيره مشتركة.. أخذت موعدي وجلست في قاعة االنتظار.. انشغلت بالهاتف أتصفح أخبار الكون.. بعد قليل سمعت صوتًا اتجهت بعيني ملصدر الصوت كان رفيقي يتجه نحوي حاضنًا قال لي أعتقدت وكأنني لم أرك دهــرًا.. لقد اشتقت إليك فـعـا.. أيـن أنــت؟ ومتى عــدت؟ سألت عنك زوجتك طمأنتني أنك بخير.. أود أن أسألك مليون سـؤال ثم اصطحبني لعيادته بعد الفحﺺ واالطمئنان أتفقنا على موعد عشاء وودعني بعد أن منحني بعض األدوية املجانية من عنده.. عدت إلى البيت أتصفح البريد.. توفي زميل لي وجدت رسالة بموقع الدفن ومكان العزاء حدث ذلك في غيابي يشير تـاريـخ الرسالة إلــى ذلــك أتـعـرف على مكان قبره مـن زميل مشترك أذهــب لزوجته كي أواسيها.. ذهبت لبيته الذي لم يعد نفس البيت اشتريت لزوجته (خوخًا) فاكهته املفضلة.. تغير إحساس الضوء في ذلك البيت.. كان الحزن في كل مكان.. بكيت وأنا أحدثها الدموع ال تفيد شيئًا على اإلطاق.. مروع الفقد كالخوف في عيون األطفال.. املوت يصنع شكا جديدًا لدموع األحياء.. صليت الجمعة في نفس املسجد الذي أعتدت أن أصلي فيه تحدثت مع إمام املسجد رجـل مثقف أمريكي من جــذور فلسطينية.. كل أمريكي قـدم في األصــل من مكان ما! هو أو أبـوه أو جـده! سألته عن األمـور إن كانت تجري عكس تيار الحياة.. تحدث بفم حازم وببساطة وإقناع وصـدق قال لي «نحن قبضة مضمومة ال أحد يلوي أعناقنا دائمًا نمسك بلوح لكننا نجدف بانتظام وال نقع ثمة تشويش يقابله تشويش أكبر من تصرفات بعض الجالية املسلمة أحيانًا أي شيء ال يتفق مع القانون هنا يعاد كما هو إلى الصناديق يشحن إلى مصدره دون أن يمس لم يحدث ألي منا أي شيء.. كل ما نفعله ونقوم به قانونيًا لذا قفزنا فوق املسألة واملضايقة والتعرض.. الحجر الـذي يسد الفراغ الكبير أحيانًا يكبر في رؤوس بعض املسلمني.. نحن مستقيمون كحبل مشدود لذا يصعب على أي أحد أن يمشي فوقنا دون أن يسقط مهما كانت رشاقته وأدواتــه..» كان كامه مليئا بالثقة وبكل شيء حسن وإيجابي لقد تحدثت مع رجل املقهى.. والفتاة التي تبيع الورد.. مع الطالب والجيران مع العامل الذي ينظف الــزجــاج مـع املـوظـف الـــودود فـي محطة البنزين مـع بـائـع التبغ مـع مختلف أطياف الطبقة الوسطى التي تعرف كل شيء والتي تبقى عصية على الوصف مثل املـرأة املتوسطة الجمال ما تزال تأمل وال يمكن تصنيفها.. كان الجميع يتشابهون في كل شيء كما تركتهم يحلمون ببيت متواضع وامرأة وفية وحياة كريمة خالية من الديون يرجعون إلى بيوتهم كل يوم يحملون الحلوى واأللعاب يهجم عليهم أطفالهم يختطفون منهم الضحكات والحنان يرتمون على صدورهم.. يقفزون على ظهورهم يتعلقون برقابهم واألم تحيك الكنزات وتعد لهم املائدة وتزرع األلفة واملحبة واإليمان بني القلوب.. أناس أبصارهم دائمًا تتجه إلى األمام نحو ضوء السماء الساطع الجميل الصافي يسيرون في خطوات واسعة دون أن يلتفتوا ألحد.. يعيشون عاملهم الحقيقي.. يمشون في طريق ال نهاية له أطول من حياة كل الزعماء الذين أتوا والذين رحلوا ال يهمهم صياح ديناصورات األرض املتكبرة املتغطرسة وال الخفافيش التافهة وال العاهات التي تصيب األدمغة وتضيق أبعادها العنصرية املقيتة وتجعل الذهن مرتبكًا.. كل الكلمات الوقتية.. والهمهمات املرحلية ال تهمهم.. ألنهم يعلمون أنها تتاشى مع الوقت.. وكأنها بعض آثار خفيفة سوف تمحوها الرياح املستمرة وتقلبات ضوضاء الحياة الحقيقية فكل ظل ينقشع في بطء كضباب الليل.. بشر يصارعون العتمة واالحتقان.. منولوج داخلي يحرضهم على التمتع بعبق الحياة في معركة عشق دائمة تنتهي دائمًا لصالحهم فللزعماء معاركهم من أجل السلطة وللشعوب معاركها من أجل الحياة.. ما زال األمريكيون كما تركتهم ينحنون كل يوم يلتقطون ابتسامتهم ليطرزوا بها جبني الشمس ويركضوا من أجل لقمة العيش.. يعدون قهوتهم ويجلسون على الكراسي املنخفضة في الحدائق أمام أبواب بيوتهم وعند املساء ينامون باطمئنان عندما يستدير القمر.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia