Okaz

معلمات: طرق املدارس جبلية وعــ

- عبير عباس (جازان)

ﻭﺗﺒﻘﻰ ﺣﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﻌﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻐﺘﺮﺑﺎﺕ ﻣﺴﺘﻤﺮﺓ، ﺑﻴﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺤﻠﻢ ﻭﺍﻟﻄﻤﻮﺡ، ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﻭﺍﻷﺑﻨﺎﺀ، ﻓﻜﻼﻫﻤﺎ ﺃﻣﺮّ ﻣﻦ ﺍﻵﺧﺮ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺄﻣﻠﻦ ﺑﺈﻧﻬﺎﺀ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺮﺣﺎﻟﻬﻦ، ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻫﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﺟﻞ، ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﺒﺮﻫﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺮﺓ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻦ، ﻭﺍﻟﺘﻨﻘﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻧﺎﺋﻴﺔ، ﻓﺘﺤﻤﻠﻦ ﺃﻋﺒﺎﺀ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﻮﻋﺮﺓ، ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﺷﺮﻗﻲ ﺟﺎﺯﺍﻥ، ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻞ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﻳﻮﻡ ﻳﻠﻤﻠﻤﻦ ﻓﻴﻪ ﺷﺘﺎﺕ ﺃﺳﺮﻫﻦ، ﻭﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ. ﻭﺗﻤﺘﺪ ﺭﺣﻠﺔ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﻤﻌﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﻐﺘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﺠﺮﺍ ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﺴﺎﺀ، ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﻘﺎﺫﻑ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺇﺯﻫﺎﻕ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺑﻌﻀﻬﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺠﺒﻠﻴﺔ، ﻭﺑﻤﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻻﺕ ﺣﻮﻝ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺗﺰﺍﻳﺪ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺗﻬﺪﺩ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﻌﻠﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﻄﺎﻟﺒﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮﺍﺀ، ﻣﺎ ﻳﺰﻫﻖ ﺃﺭﻭﺍﺣﺎ ﺑﺮﻳﺌﺔ، ﺗﺴﻌﻰ ﻭﺭﺍﺀ ﺭﺯﻗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻧﺎﺋﻴﺔ، ﻭﻣﻨﻬﻦ ﻣﻦ ﻳﻘﻄﻌﻦ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻜﻴﻠﻮﻣﺘﺮﺍ­ﺕ ﺫﻫﺎﺑﺎ ﻭﺇﻳﺎﺑﺎ ﻳﻮﻣﻴﺎ، ﻓﻲ ﺭﺣﻠﺔ ﻳﻜﺘﻨﻔﻬﺎ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﻭﺍﻟﻐﻤﻮﺽ، ﻳﺘﺮﺑﺺ ﺑﻬﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺠﺒﻠﻴﺔ، ﺑﺴﺒﺐ ﻭﻋﻮﺭﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﺮﻕ، ﻭﺗﻬﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﻛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﻠﻬﻦ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺠﻠﺲ ﺧﻠﻒ ﻣﻘﻮﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﺃﺣﺪ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﺴﻦ، ﻣﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ ﻭﺍﻟﺒﻜﺎﺀ، ﻭﺩﻓﺎﺗﺮ ﻭﺃﻗﻼﻡ ﻣﺒﻌﺜﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﻔﻠﺖ، ﻭﺣﺰﻥ ﻋﻠﻰ ﺯﻭﺟﺔ ﺃﻭ ﺃﺧﺖ ﺃﻭ ﺑﻨﺖ، ﺗﻈﻞ ﺻﻮﺭﺓ ﻓﺠﻴﻌﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﻻ ﻳﻤﺤﻮﻫﺎ ﺍﻟﺰﻣﻦ. «عكاظ» رصدت عددا من الطرق الجبلية النائية الوعرة التي تسلكها املعلمات يوميا فـي طريقهن إلـى املــدارس التي تـم تعيينهن بها، والـتـي تعلو جبال بني مالك وطالن وجبال وادي الدفا وجبل سال والعبادل وجبل فيفا. واستعرضت هموم املعلمات والطالبات في هذه املرتفعات الجبلية؛ إذ تحكي املعلمة «أم أحمد» معاناتها مع رحلة العمل في هذه املناطق، قائلة: قبل خروجي من املنزل أقبل أطفالي الصغار عـنـد الـثـالـثـ­ة فـجـرا وانـطـلـق مــع زميالتي املـــعـــ­لـــمـــات لــنــقــط­ــع مـــســـاف­ـــة 145 كلم لــلــوصــ­ول إلـــى املـــدرسـ­ــة، وال ندري مــا إذا كـنـا سـنـعـود ألطـفـالـن­ـا أم ال، مــــؤكـــ­ـدة أن زمــيــلــ­تــهــا في املــــــد­رســــــة نـــفـــسـ­ــهـــا تعاني حـالـة نفسية سيئة، بعد أن نـــجـــت مـــــن حادثة سابقة، وكيف شاهدت بعينها زميالت لها توفني في مكان الحادثة، ما أثر سلبا على نفسيتها، ومـا زالــت تعيش املنظر املفجع، رغـم طلبها مـن إدارة التربية والتعليم بمنطقة جــازان توفير مركبات ذات دفـع رباعي وسائقني مهرة وأكفاء وملتزمني بقواعد السالمة، حتى ال تزهق أرواح جديدة، على حد قولها. وتقص املعلمة نسرين محمد «أم لطفلني» تفاصيل توظيفها، التي جاءت بعد انتظار سبعة أعوام، قائلة: معاناتي تبدأ قبل الثالثة فجرا، وال تنتهي قبل املغرب؛ إذ يتعهد أحـد السائقني بنقلي وزميالتي إلـى املـدرسـة، وتدفع كل منا 1000 ريــال شهريا، إال أن معاناتنا تتمثل في مخاوفنا من الطرق الجبلية، خصوصا في موسم األمطار، ومع طول فترة غيابي، أعود إلى املنزل مرهقة، فيما يدفع أبنائي الصغار ثمن ذلك، لذا أتمنى من الجهات املعنية أن تتجاوب مع طلبات النقل وفقا لرغبة كل معلمة. وال تختلف معاناة املعلمة ابتهال الغامدي «من سكان جدة» عن سابقاتها، إذ عينت في مدرسة آل الشريف بإحدى املناطق الجبلية بمنطقة جـازان، ما دفعها لترك طفليها البالغني من العمر سنة ونصف وأربــع سـنـوات، لتظل معاناتها مع الطرق الوعرة أهم ما يشغلها، فيما اضطرت للنقل إلى جازان، وتحمل نفقة إيجار شقة يبلغ نحو 4500 ريـال شهريا، إضافة إلـى التنقل للمدرسة بسيارتني بقيمة 1600 ريال شهريا، ناهيك عن استغالل السائقني في مشاويرها العامة، عالوة على رداءة املركبة. وتشعر بالحيرة واالستياء حـني ينتهي األســبــو­ع، مـا يضطرها للسفر إلــى طفليها وزوجـهـا نهاية كل أسبوع، ما يرهق كاهلها باملزيد من التكاليف، ناهيك عن إرهاق السفر. أمــا املعلمة «أم أريـــام» فترى أن فرحتها بتحقيق حلم التخرج والعمل في املجال التربوي لم تكتمل، فقصتها في خوض غمار الوظيفة مختلفة بعض الشيء، إذ تتحمل مشاق الطريق يوميا من محافظة الطوال أقصى جنوبي جازان إلى مركز جبال سال، ما يعني أنها تقطع رحلة يومية ال تقل عن 180 كلم، تبدأها قبل صـالة الفجر، تقطع خاللها السيارة مسيرة ثـالث ساعات يوميا للذهاب ومثلها للعودة، تاركة أبناءها الصغار مع جدتهم املسنة، لتعود لهم قبل صالة املغرب. وتختلف نتائج معاناة املعلمة هنادي عن سابقاتها، خصوصا أن طلبات نقلها لم تؤت ثمارها، ما أنهى حياتها الزوجية بالطالق، بعد معاناة ألكثر من أربع سنوات من عدم االستقرار األسري، وغيابها عن تربية أطفالها الثالثة، إذ تصل إلى املنزل مرهقة من مشاق الطريق، فتخلد للنوم سريعا، لتستيقظ قبل الثالثة فجرا لتصل إلى املدرسة بجبل طالن الشاهق في املوعد املحدد. من جهته، يشير خالد عالقي «زوج معلمة» إلى تعرض زوجته ملضاعفات صحية، تمثلت فـي ارتــفــاع ضغط الــدم وصـــداع شـديـد يالزمها بشكل شبه يومي، نتيجة اإلرهــاق الــذي تعانيه من مشاق الطريق الجبلي املــؤدي إلى املدرسة التي تعمل بها، مضيفا: أوصل زوجتي عند الثالثة فجرا إلى سائق النقل في أحد املواقع، لتصل إلى املدرسة عند السادسة والنصف، فيما تعود إلـى املنزل بعد صـالة العصر، ما أدى إلـى إرهاقها نفسيا وجسديا، لدرجة أنها تفكر في االستقالة من مهنة التعليم، حتى تكفي أسرتها مشقة االنتقال إلى تلك املناطق النائية.

 ??  ?? معلمات ينتظرن سيارة تقلهن بعد انتهاء اليوم الدراسي في إحدى مناطق جازان. (عكاظ)
معلمات ينتظرن سيارة تقلهن بعد انتهاء اليوم الدراسي في إحدى مناطق جازان. (عكاظ)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia