Okaz

التيمات السردية في

- مستورة العرابي*

فــي عـــام م2015 أصــــدر الــقــاص الــســعــ­ودي أحــمــد زيـــن مجموعته القصصية الـثـانـيـ­ة (أصــــداء األزقــــة) بـعـد مجموعته األولـــى (زامر الـحـي) عــام ،م2009 وتتميز (أصـــداء األزقـــة) بالجمع بـن جنسن أدبين سردين هما: القصة القصيرة والقصة القصيرة جـدا، كما تنقر هــذه املجموعة القصصية على عــدد مـن التيمات الـتـي اتكأ عليها السارد وهو يبني كونه السردي. وأول ما يستوقف انتباه املتلقي تيمة الضياع كما يظهر في قصة «ضياع» التي تعبر عن فقدان الحديقة التي كان يقوم عليها السارد مع بعض أصدقائه الذين تفانوا في خدمتها لتصبح حديقة يانعة. بيد أن هناك حاقدين آخرين كانوا يطمعون في الحصول عليها لضمها للحديقة املـجـاورة التي يملكها شخص غني متسلط، ما دامت أنها تؤتي أكلها؛ فاستطاعوا بفعل املكر واالستبداد السيطرة عليها، وتشتيت العاملن فيها؛ فالقصة تحيل على الواقع البشري الــذي تضيع فيه األشـيـاء الجميلة بسبب تصرفات شائنة قوامها التنافس غير املشروع، ومن ثم، فهذه قصة واقعية اجتماعية تندد بـالـسـلـو­ك اإلنـسـانـ­ي الـقـائـم عـلـى الـطـمـع والـتـسـلـ­ط الـــذي يـــؤول إلى خراب العمران، وتضييع املجتمع بما فيه. وتستند قصة «أصداء األزقة» إلى حبكة سردية قوامها تغير الحارة الـتـي كــان يسكنها الــســارد، وتغير بيته العتيق الــذي كــان يسوده الـفـرح والـهـدوء ملـدة طويلة. وبعد عشرين سنة، يعود الـسـارد إلى منزله، فيجده قد تغير جذريا، ولم يعد كما كان في املاضي يحمل في ثناياه شعور الحب واملودة والدفء العائلي، فقد تغير كل شيء، وتغيرت معه مامح اإلنسانية بصفة عامة. وتعد تيمة االنتظار من أهم التيمات التي تناولها األدب اإلنساني عموما، وفي قصة «خيبة» للقاص أحمد زين نجدها تتناول واقع اإلدارة العربية التي تتسم بروتن االنتظار والترقب واالزدحام أمام واجهات املكاتب، واملسؤول غير مبال لتلك الحالة؛ فالقصة تدين واقــع البيروقراط­ية فـي الـوطـن العربي بكل تناقضاتها الجدلية، وواقعها املأساوي والتراجيدي. وينقل الكاتب واقـع االنتظار نفسه في قصة «انتظار» الـذي يؤول إلى العدمية والفراغ والعبث والخيبة اململة؛ وفي قصة «ميتة» ينقل السارد هذا القلق، ويرى أن عالم األموات يحفه االنتظار كذلك. وتـحـضـر تـيـمـة «االســتــب­ــداد» فــي قـصـة «األســـيــ­ـرة» الــتــي تـعـبـر عن االستعباد واملنع في ظل مجتمع العادات والتقاليد املوروثة التي تـتـنـافـى مــع سـمـاحـة اإلســـــا­م. فـيـسـرد الــقــاص تـسـلـط اإلخــــوة على أختهم لـدرجـة حرمانها ومنعها حتى مـن الـــزواج بعد أن صارت معلمة رشيدة؟ !؛ فالقصة تلتقط واقعا مجتمعيا مزريا يتحكم فيه الرجل، وتغيب فيه حرية املــرأة وتمنع من حقوقها باسم األعراف والتقاليد. وفـي قصة «جــرس الـبـاب» تحضر تيمة القلق حيث تنتظر الفتاة

هـــــــــ­ـاتـــــــ­ــــف خطيبها الـــذي وعــدهــا أن يــتــصــل بــهــا فـــور عــودتــهـ­ـا مـــن املدرسة، فيبدأ رنــن الهاتف وال مجيب حتى انتهى بــهــا ذلــــك الــقــلــ­ق بـــطـــرح األســئــل­ــة املتعاقبة املـتـعـلـ­قـة بخطيبها وطـبـيـعـت­ـه وصـمـتـه عن الـــــــر­د. فـــمـــرة تــســمــع إجــــابــ­ــة أمــــهـــ­ـا، وأخـــــرى تتخلص مـن السماعة، وثـالـثـة تسمع رنن الهاتف بدون جواب؛ فالقصة تعكس الواقع النفسي للشخصية املـضـطـرب­ـة، وهــي على أهبة الـــزواج، وصـراعـهـا مـع ذاتـهـا الخائفة مـــن تـــصـــرف­ـــات خــطــيــب­ــهــا الــغــريـ­ـبــة الـــتـــي ال يقوى على مجابهتها، ربما بسبب الخجل والـــحـــ­يـــاء، وربـــمـــ­ا هـــنـــاك شــخــص آخر يتصل بها...

ًً ونجد هذا القلق أيضا في صراع السارد مع الوقت، ففي قصة «الواحدة والربع» يتردد الــســارد بـن الـنـوم والـيـقـظـ­ة. فـي حــن، تشير عقارب الـسـاعـة إلــى مـــرور الــوقــت عـلـى عـجـل، ويــــزداد هــذا القلق لدى السارد في قصة «زجاجة عطر» بسبب وحشة املكان، ونظرته الحائرة للساكن الجديد بالحي الذي يسكنه، على الرغم من لحظات الــفــرح السـتـقـبـ­ال الـعـيـد، وإقــــدام الــســارد عـلـى شـــراء زجــاجــة العطر لتسليمها هدية ألحد أصدقائه القدامى في حارته القديمة. ويـنـقـل املــبــدع فــي قـصـة «أحــــام» انـعـكـاسـ­اتـه النفسية الشعورية والاشعورية. عاوة على تجلياته االجتماعية والواقعية؛ فيرصد

ٌٌ لنا ًً أحامامختلف­ة لنماذج بشرية، كل يحلم حسب واقعه ونطاقه وأمنياته؛ فأحدهم يحلم بالشهرة واملجد الثقافي واملعنوي، كأن تظهر صورته في إحدى الجرائد الثقافية والفنية والرياضية. لذلك، يشتري الصحف واملجات والجرائد، ويعلق صورها على جدران غـرفـتـه، واآلخـــر متعلم يحطم ريـشــة قـلـمـه، ليهتم بـتـوزيـع الشاي واملعامات الرسمية بن املكاتب، وانتظار آخر الشهر بفارغ الصبر. والثالث صياد يحلم بقوت يومه، ويخاف من رياح البحر وأمواجه املتاطمة. كما نجد حضور تيمة التذكر في املجموعة كالذكريات الطفولية والشبابية، والسيما حارته بمختلف أزقتها وأصدائها املتنوعة؛ فينقل ذكريات دخوله املدرسة االبتدائية أول مرة بجازان في قصة «وجدته مـازال يــردد»، ويذكر كل ما صاحب ذلك الدخول من فرح، وأخذ صور فوتوغرافية، واستقبال إداري حميم، ودخول إلى الفصل الدراسي. إن مجموعة «أصــــــــ­داء األزقـــــ­ـــة» ألحـــمـــ­د زين تعكس لنا نفسيات الشخصيات املختلفة، وهي تنتقل من حالة إلى أخــرى، وتتلون بن الحب والكراهية، الفرح والحزن، السعادة والشقاء، النسيان والتذكر، املعاناة والراحة، الحاضر واملاضي، الفقر والغنى... كما تعكس الـواقـع املجتمعي بصفة عـامـة، وواقــع منطقته بصفة خاصة، بكل تناقضاته الجدلية على املستوى اإلنساني واألسري واملجتمعي والتربوي، وتحويلها إلى مخيال فني وجمالي، يحلله بريشة واقعية قوامها النقد والتعرية والتقويم امليداني الدقيق. وتــرصــد هـــذه املـجـمـوع­ـة كــذلــك الــواقــع االقــتــص­ــادي ملجتمعه بكل تبايناته، وتحديد االخـتـاف املـوجـود بـن الطبقات االجتماعية، وصراعها فيما بينها حـول الثروة والرفاهية واالسـتـقـ­رار، وطلب العيش الكفيف بدل املعاناة وشظف العيش. وتشير املجموعة القصصية أيـضـا إلــى التنوع الثقافي مـن بيئة إلى أخرى، وتميز بعض البيئات بمجموعة من العادات والتقاليد واألعــراف التي أصبحت قوانن مجتمعية وثقافية، تفرض ًً قيودا ومتاريس قاتلة؛ بل تتحول إلـى تابوهات مجتمعية من الصعب خرقها، أو التمرد عليها. وخــاصــة الــقــول، يـعـد املــبــدع أحــمــد إسـمـاعـيـ­ل زيـــن مــن أهــم كتاب القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا باململكة العربية السعودية، وقـد انصبت قصصه على مواضيع واقعية واجتماعية، وتيمات مــوضــوعـ­ـاتــيــة مـخـتـلـفـ­ة، كــالــضــ­يــاع، والــقــلـ­ـق الــنــفــ­ســي، واالنتظار، والذكريات، والسعادة، واملوت... عاوة على تنويع املخيال، واختاف آلــيــات التخييل، والـتـشـبـ­ث بالبيئة والــفــضـ­ـاء الـحـمـيـم، وارتباطه بجازان موضوعا وتذكرا وتعبيرا وتخييا.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia