هدنة في العَّشار
عدي احلربش.. صبْر الصيّاد وعناية الصائغ املاء يقرأ قصائده
ما الـذي يشغله وهو يقرأ التاريخ أو يسعى نحو ابتكار حكاياته؟ هل يستوقفه ما استوقف اآلخرين وأطالوا النظر إلــيــه.. وإن فـعـل فـهـل سـيـخـرج بـمـا خــرجــوا بــه وتوصلوا إليه؟.. هذه األسئلة وغيرها تعبر أمام قارئ عدي جاسر الحربش في كتابه «أمثولة الــوردة والنطاسي» (جداول للنشر والترجمة والتوزيع، بيروت - ٦١٠٢) والذي رسخ به اتجاهًا ثقافيًا وخـيـارًا إبداعيًا بــرز مع إصــداره األول «الــصــبــي الـــذي رأى الــنــوم» (الـــنـــادي األدبــــي بــالــريــاض - ٨٠٠٢). كثيرًا مـا أتــصــور عــدي الحربش واحـــدًا مـن العاملني في مجال التعدين الورقي؛ ضاربًا في جوف التاريخ؛ غائصًا بــني آالف األوراق والـحـكـايـات الــخــام. يقوده حـدسـه، وتنبئه خبرته عـن مكامن «الحجر الـكـريـم».. وبصبرّ الـصـيـاد ُّوعناية الصائغ يعكف طارقًا ومقشرًا، وينكب بكامل إصغائه يسوي ويعدل حتى تنبثق بني يديه جوهرته العالية؛ الثمينة والـنـادرة بغزير إشعاعها.
ِّّْ الطرس، بعديد حكاياته املكتوبة واملمحوة، تظل بـه مساحة لإلضافة على غير سابقة؛ يمنحها املنظور الجديد ويجود بها املكون السحري الغامض والفكرة الطالعة تستدني من يشير إليها ويطلقها إلى مدى أبعد؛ أصيل وطارف. يدلف الــكــاتــب إلــــى رحــــاب الــعــصــر املــمــلــوكــي، فـــي قصة «الــوردة والنطاسي»، ويستخرج منه حكاية ابن النفيس الذي ينسب إليه اكتشاف الدورة الدموية الصغرى. يكشط الــغــالف ويــجــري عملية التلقيح بـسـر الـــوردة وسحرها؛ حلمًا وواقـعـًا. يقطر الحكاية في إنبيق خــاص ينأى عن االعتياد واأللفة؛ فتتعالى الـوردة مغزى مستورًا ومجازًا مـكـنـونـًا. كـلـمـا فـلـقـت الصفحة هــب عـبـيـر ال اســم لــه لكنه يــمــكــث فـــي الـــذهـــن وفـــي الـــحـــواس. وفي قــصــة «ســــر أبي الطيب» يتناول ما أشبعه التاريخ األدبــي بحثًا وكتابة، غير أن ثمة ما ينتظره وحـده في مدونة شاعرنا العظيم أبـــي الــطــيــب املــتــنــبــي. مـــا يـــتـــوارى فـــي الــســيــرة وثـــــاو في تضاعيفها. املــحــرض عـلـى عـنـفـوان املتنبي وتـقـلـبـه في
ُّ البالد وبـني الحكام. الشاعر ينكتب في ضـوء آخـر. تحت مصباح «الــســر» يـقـرأ ثـانـيـة. واألولــويــات الـتـي طرحتها سيرة الرجل يعاد هنا ترتيبها. شعره لم يكن صدى وال تابعًا. الحياة الـتـي مــر بها هـي التحقيق وهــي الصدى. حياته ليست إال تبريرًا لهذا الشعر. فالسجن الذي أمضى فـيـه عـامـًا واحـــدا بتهمة ادعــــاء الـنـبـوة هــو وعـــاء كــل ذلك الشعر. وعــاء امتأل وختم بخروج املتنبي منه. في البدء كانت قصيدته ثـم أعقبتها السيرة تبحث عن مصداقها وتفعيل سياقها. الـوقـائـع حـدثـت فــي القصيدة أوال، ثم ابتكر لها السياق: (تخيل، وتخيل، وتخيل، وما كان له أن يحيا لو لم يتخيل - ص ٨٤١). هذه هي اللقية اإلبداعية الـتـي صـافـحـنـا بـهـا الـكـاتـب، وكـشـفـهـا كـشـفـًا مـتـحـررًا من التاريخ ووثوقية يومياته. الحجر الكريم.. السر.. الفكرة األساس.. الجوهر؛ هو حادي عــدي الـحـربـش فـي تنقيباته وفــي ســرده املـمـتـع. الشرارة املختبئة والبانية هي املقصد. في قصة «وزارة األسرار» تمر أمامنا عالقة السلطان العثماني سليمان القانوني بابنه مصطفى، والنهاية البشعة واملصير الدامي لالبن؛ بقتله بتدبير من أبيه. ال يتوقف الكاتب عند تفاصيل الحكاية إال كإطار، وال يلفته تكرار املصائر الدامية في بالط الحكم تحت ظالل «القيصر ليس له أبـنـاء. إنما ورثــة». يطوي صـفـحـًا عــن هـــذا كــلــه، ويـمـسـك فــتــيــال؛ يبلله بـزيـتـه اإلبـــداعـــي؛ فـيـقـدح شــرارتــه السحرية الــكــامــنــة فـــي «طــبــيــعــة الـــســـر» الـــتـــي تقضي بـاجـتـمـاع أجــزائــه، فــخــان الـسـلـطـان سليمان تلك الطبيعة، فـبـدد السر على مجموعة من األشخاص -كـل واحــد يعرف طرفا منه فقطمـخـالـفـًا فــي ذلـــك «نــوامــيــس الـــكـــون»؛ لـيـعـاقـب بافتضاح أسراره التي لم يبح بها ألحد، فيراها مكتوبة على حائط الـقـصـر، ومـعـهـا تـحـذيـر: «مــن عـمـل ضــد نـوامـيـس الكون ضربه الله فوق هامته - ص ٣٠٢». يوظف الكاتب الحكاية خـــارج مبناها الــعــام، فيفلسف الــســر ويـجـعـل لــه طبيعة سـحـريـة، مــن يــخــرج عـلـى شـفـرتـهـا فــإن أمـــره مــوكــول إلى الفضيحة.. وأحـسـب أن الفكرة نفسها، وإن بتنويع، هي التي أنتجت قصة «خنجر يمان» حيث الخيانة املتبوعة باالنتقام مجسدة في «خنجر» مترحل له الهيئة عينها منذ «استعمله كليب فـي نحر تــبــع»، وهــو على حـالـه لم يتغير بجوهره الـسـاري فـي الـزمـن بــإرادة القتل وتشهي الــدم. في عملية مستمرة من خيانة أولـى تتوالد انتقامًا فخيانات ال تتوقف ليستمر الخنجر في حضوره وفعله الدموي. عدي الحربش يضع يديه في طني التاريخ وينفخ فيه من روحـــه. يمهره بختمه اإلبــداعــي ليستوي فــي صـــورة من الجمال لم تكن. * كاتب سعودي الكالم ١ - سأترك جانبا كي أنصت للماء يقرأ قصائده جوار زهرة
للماء٢عندما أنصت يتوارى العالم إلى أقصى نقطة في رأسي
الينبوع٣جوار يتكئ على عكازه الجبل وهو يحكي سيرة املاء
كثيرا ٤ - حدثني عن رائحة املطر في أرخبيل الجنون ثم نام ولم يوقظه العويل
دائما5هناك ماء يجري في القصائد ترعى جواره وعول تنام في زريبة الروح
أنسى ٦ - أحيانا أصابعي في ساحة الحلم وأخرج دون أن أنتبه أن قميص السماء بال أزرار أحيانا في ساحة الحلم أسمع نشيد التيه في صوت الفراشات التي رحلت عن شفتي الوردة
*شاعر ومترجم من املغرب يمهلني عاما بكل فصوله وأيامه كي أحبه يمهلني الشمس والرياح واملطر يمهلني وال يترك فرصة للهواء أن يمأل رئتي أي معادلة يبحث عنها ذلك املجنون أي تـمـهـيـد يــبــحــث عــنــه فـــي ابــتــســامــتــه وعينيه الصغيرتني أما زلت تشعر بالبرد مثلي أمــا زلــت تـنـام فـي كـرسـي الـبـاص وعيناك تقبل خيالي ما الذي فعلناه يوما دون أن نلقي له باال هذه الطرق البعيدة وهذا االحتراق وخيوط الدمع هذا العناق الطويل بال قبل املائلة هذه الغابات املوحشة عمود اإلضاء ة املرتعش في شارع غير مبلط وكرسي خشبي أسند عليه ظهري لكنك ال تهبط كالطيور وال تشرب من كوب املاء الذي أعطش بسببه أحرقني أرجوك واعبث بكل هذه العواصف فأنا ال أحب انتظار موسم البرتقال كي يزهر وال أحتمل عناق القوس بنخلة غريبة أحرقني وال ترتقب لحبي جوابا الطيور التي طــارت مـن على ســور البحر تحط في قلبي واملطر الذي بلل نافذتي جرف قلبي إلى العشار .وحدي من اكتشف آثار أصابعك التي سربت الكلمات دخان السجائر رائحة الشاي العطر ووجبة املساء في مقهى األدباء تمهلني عاما لكي أحبك؟ ماذا فعلت الريح؟ غير أنها حركت األغصان فسقطنا الريح تضحك وتقول: اصعدا ظهري أسند ظلكما العاري على شجر النخيل
السعودية العشار إحدى مناطق البصرة الشهيرة