Okaz

‪wM× UÝ ∫Íd¹b‬

-

أستاذي دعني أقل إنك قد فاجأتني وفجعتني برحيلك السريع وبصراحة فإنني لم أتوقع أن ترحل هكذا بكل هذا الهدوء وبكل هذا الصمت وكل هذا الوقار. صحيح أننا كنا نعلم أنـك لست على ما يــرام وأن صحتك قد خذلتك فأقعدتك، لكننا عرفناك طوال عقود مضت تتوعك لعدة أيام بسبب ضغوطات العمل وإرهاقات الجريدة لكنك ال تلبث أن تتعافى وتسترد همتك لتعود إلى جريدتك تجوب أسيابها وتصعد طوابقها وتقتحم دهاليزها فتراقب الصفحات وتراجع املاكيتات وتعدل البروفات وتشطب وتضيف ثم تعود لتذهب وتجيء حتى إذا اختمرت عندك فكرة «لقاء» جلست في أقرب مكتب واتكأت على «املاصة» وسحبت الورق ومضيت تكتب. أستاذنا كنت قد عودتنا على أن تتوعك حينًا يسيرًا من الدهر لكنك تعود دائمًا لتكون حاضرًا في كل محفل لنباهي بك عند كـل الـعـرب اآلخــريــ­ن الـذيـن يحسبون أنـهـم لـوحـدهـم يحسنون صنعًا. أفــا يــرون كيف أنــك صنعت نفسك مـن الصفر لتكون قيمة أولى واسمًا بارزًا وفعا ناجزًا في الصحافة العربية؟ وكــيــف ال يــــرون أنـــك قــد صـنـعـت جــريــدة مــن خــوصــة صغيرة فجعلتها نخلة سامقة؟! سـامـحـنـا إذا تــداعــيـ­ـنــا فــي األيـــــا­م الــقــادم­ــة لـتـكـريـم­ـك وتثمني إنجازاتك فليس غريبًا علينا هذا السلوك وليس جديدا لدينا تسويف املبادرات وتأخير االستحقاقا­ت فنحن نقصر دائمًا في حق األحياء ثم نسرف في تعويض تقصيرنا لكن بعد الفوات. لكن ربما عليك أيضًا أيها املعلم أن تعذرنا ألننا تعودنا منك أن تعود بعد الـذهـاب وأن تقوم بعد القعاد وأن تتعافى بعد املـرض، كيف ال؟ وقد عودتنا أن تنهض من الكبوات والهزائم والوعكات منتصرًا ومتفوقًا ومجالدًا ومعاندًا ومنافسًا ال تلني له قناة. يا أبا عبدالله.. سامحنا إذا خذلناك وكنا نحسبك خذلتنا حني أيقنا مثل كل مرة أنك تذهب لتعود وهذه املرة أدركنا ولكن متأخرًا جدًا أنك قد سئمت تكاليف الصحافة وإرهاصاتها ومشقاتها وكيدها وكــدهــا ولــؤمــهـ­ـا وعـشـقـهـا ونــكــدهـ­ـا وإدمــانــ­هــا وأنـــك تغادرها أخيرًا با رجعة وأنك ترحل با عودة وأنك تمضي إلى الراحة األبدية. سامحني فقد كنت أحسبني في سعة من الوقت ألعتذر عندك عن كل سوء فهم أو تقصير. ها أنت تستريح وأنت في حضرة رب رحيم وفي جوار الكريم. غفر الله لي ولك وأحسن مثوانا أجمعني.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia