نفاق النفس أشد فتكا

ال أعـلـم أن أحـــدا مــن العلماء استعمل مصطلح نـفـاق النفس، وإنما ورد التحذير في الشرع من مخادعة النفس باالسترسال مع املعاصي واالنهماك في الشهوات مع تصور أن ذلك ال يضر وأن مصلحة النفس في هذا وإنما فيه عطبها وهالكها، وأخبر الله تعالى عن املنافقن في قوله: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إال أنفسهم وما يشعرون). وعلى املسلم أن يكون فطنا متيقظا لــوســاوس النفس ودسـائـسـهـا، فإنها تـصـور له الباطل في صورة الحق وتمنيه األماني الكاذبة وتغره وتخدعه فيسترسل في املعاصي وهـو ال يشعر أن هالكه في ذلــك، فمن صـــدق مــع نـفـسـه وحـاسـبـهـا أشـــد املـحـاسـبـة وتـفـطـن ألدوائها وخالفها فيما تأمر به من الشر فهو السعيد الناجي. قال عز وجل: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي املــأوى). النفاق هو الدخول في الشرع من باب والخروج عنه من باب آخر، وعلى ذلك نبه بقوله عز وجل: (إن املنافقن هم الفاسقون). يتبن مما سبق أن املقصود من النفاق هـو أن يظهر اإلنـسـان خــالف مـا يضمره فـي قلبه، أي أن قلبه يعاكس ظـاهـره مـن الـقـول والـفـعـل. فمثال فـي مجتمعنا كثير مـنـا لـألسـف يطلب أن يحلي الــشــاي بسكر الحمية املصطنع وعلى مائدته ما لذ وطاب من نشويات ولحوم ودهـون مليئة بالسعرات الحرارية ألـف مـرة من ملعقة سكر عــادي وهــذا هو مربط الفرس في نفاق النفس. هناك أمثال كثيرة لهذا النوع من نفاق النفس. النفاق والعياذ بالله نوعان. النفاق االعتقادي، وهو النفاق األكبر الذي يظهر صاحبه اإلسالم، ويبطن الكفر. وهذا النوع ليس هو مضمون املقال. موضوع املقال هو النوع الثاني من النفاق وهو النفاق العملي، وهـو عمل شـيء من أعمال املنافقن، مع بقاء اإليمان فـي الـقـلـب، وهــذا ال يـخـرج مـن املـلـة. وهــذا مـا نتحدث عنه في نفاق النفس. في هذا الزمان عظم النفاق وكثر أهله وتعددت وسائلهم بن الكثير من أفـراد املجتمع والتعامل ما بن أفراد األســر والـزمـالء في العمل ســواء في الـدوائـر العامة والخاصة وبكل حزن حتى في املـدارس والجامعات. النفاق العملي فهو التخلق ببعض أخالقهم الظاهرة مع اإليمان بالله وبرسوله واإليمان باليوم اآلخر كالكذب والخيانة والتكاسل عن الصالة في الجماعة، ومن صفاتهم ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آية املنافق ثالث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان). فـهـذا هــو نـفـاق الـنـفـس. فــالــواجــب عـلـى كــل مـؤمـن ومـؤمـنـة أن يحذر صفاتهم غاية الحذر، ومما يعن على ذلك تدبر ما ذكره الله في كتابه من صفاتهم، وما صحت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. والــلــه املــســؤول أن يـوفـقـنـا وجـمـيـع املـسـلـمـن للفقه فــي دينه، والثبات عليه، والـحـذر مـن كـل مـا يخالف شرعه ومــن التشبه بــأعــدائــه فــي أخـالقـهـم وأعـمـالـهـم إنــه خـيـر مــســؤول. علينا أن نتذكر صفات نفاق النفس وهي الكذب والوعد واألمانة وبحق رمضان الذي على األبـواب ندعو: اللهم بلغنا صيامه وقيامه وأجــــره وأبــعــد عـنـا نــفــاق الـنـفـس فــإنــه أشـــد فـتـكـا. آمـــن يــا رب العاملن.