َمْن أقنع ترمب أن الرياض عاصمة العالم!
في العام 1945 قرر الرئيس األمريكي فرانكلن روزفلت إلقاء خطاب وداعي في جلسة مشتركة للكونغرس فــور عــودتــه إلــى واشـنـطـن بعدما أحـس بقرب أجـلـه، كـان الرئيس قـد أنهى للتو رحلة طويلة لـلـشـرق األوســــط، الـتـقـى خـالـهـا الــزعــيــم الــعــربــي الــقــادم من صحراء نجد امللك عبدالعزيز رحمه الله. روزفلت تحدث في خطابه عن الرحلة البحرية الطويلة التي قام بها، وكيف أثرت على صحته، لكنه فضلها على املراسات واالتـصـاالت، مشيرا في الخطاب أن «لقاءه املباشر مع امللك عبدالعزيز ساوى عشرات من الخطابات الدبلوماسية». هــذه الجملة اخـتـصـرت الـفـهـم الحقيقي لـــدور االجتماعات املباشرة بن الــدول والزعماء، في تطويع السياسة، وتلين املـــواقـــف، كــمــا كــشــفــت عـــن الــتــأثــيــر املــتــعــاظــم لـلـمـمـلـكـة منذ ذلــك الـلـقـاء الـتـاريـخـي بــن املـلـك املــؤســس وروزفــلــت، وحتى اجتماعات األمـس بن امللك سلمان والرئيس دونالد ترمب في الرياض. إنه الحراك السياسي الفعال واملتراكم الذي تقوم به السعودية، دون ســرقــة ألدوار اآلخــريــن وال ادعــــــاءات وال مـــزايـــدات وال انخراط في مؤامرات ودعم منظمات إرهابية. هـــو ذلــــك الــــــدور الــكــبــيــر الـــــذي بــذلــتــه الــــريــــاض فـــي هزيمة الشيوعية من منتصف الخمسينات وحتى العام ،1990 وهو نفسه الذي قدمته اململكة لدعم الشعب األفغاني ضد االحتال السوفيتي، واملساهمة الكبرى في انتصار العراق في الحرب اإليرانية طــوال عشر سنوات، وإحــال السام في لبنان عبر اتفاق الطائف، وتحرير الكويت من أغال صدام، واالعتراف بمنظمة التحرير كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني. إنــه الــدهــاء الـسـيـاسـي فــي تــجــاوز أحــــداث الــحــادي عـشـر من سبتمبر وتـبـعـاتـهـا الـثـقـيـلـة، واالنــتــقــال مــن حـمـايـة بادها وشعبها مــن اإلرهــــاب إلــى حـمـايـة الـعـالـم، عـبـر جـهـاز أمني فـعـال، اسـتـطـاع املساهمة فـي كشف عـشـرات العمليات التي كانت على وشك الوقوع في عواصم ومدن حول العالم. بــاألمــس تــم تـتـويـج الـسـعـوديـة عـاصـمـة لـلـعـالـم، لـيـس ألنها استضافت قمة غير مسبوقة بن الواليات املتحدة األمريكية، أقــوى دولــة فــي الـعـالـم، وبــن زعــمــاء وقـــادة 56 دولــة عربية ومــســلــمــة، بــل ألنــهــم وجــــدوا أنـــه ال يـمـكـن أن يــــروا مستقبل العاقة بن العاملن املسيحي واإلسامي إال بعيون سعودية. لم تكن الرياض خال مئة عام انصرمت على هامش األحداث أبـــدا، فمنذ تـأسـيـس الــدولــة الـثـالـثـة، وحـتـى الــيــوم، مارست السعودية ثاثة أدوار كبرى، لم تتخل عنها أبدا. دور عــروبــي اســتــطــاعــت مــعــه دعـــم حــيــاض الــعــالــم العربي ومـسـتـقـبـلـه واســتــقــالــه مـــن الــتــدخــات الــخــارجــيــة والــــدول املتربصة على تخومه، أو انهياره واحترابه الداخلي، ألنه عمقها الجغرافي والتاريخي واإلنساني. دور إسـامـي فـعـال، يدعمه احتضان اململكة ألقــدس أقداس املسلمن في مكة واملدينة، ومهوى أفئدة مليار ونصف مسلم، األمــر الــذي ألـقـى عليها مسؤولية دعــم االعــتــدال اإلسامي، ومحاربة التطرف والغلو، وكبح جماح املندفعن، ومناصرة قضايا املسلمن املضطهدين اقتصاديا واجتماعيا. أمــــا دورهــــــا الــــدولــــي، فــيــأتــي مـــن خــبــرة ســيــاســيــة متراكمة قــوامــهــا أكــثــر مــن ثـاثـمـئـة عـــام وأســـــرة حــاكــمــة، استوعبت السياسة وهضمتها وطوعتها لصالح دولتها، إضافة إلى موقع سياسي حيوي هو جسر بن عاملن، واقتصاد متنام، ومخزون هائل من موارد الطاقة. السعودية اليوم ليست على هامش املنطقة، وال تأخذ دور القاهرة أو بيروت أو إسطنبول، الرياض حالة متفردة غير مكررة، هي أقـرب ملعجزة حقيقية، فعندما يراهن الغادرون والـخـائـنـون على تقلص دورهـــا وانـحـسـارهـا، إذا بها تقوم صلبة قوية متباهية بما تستطيع إنجازه. لعل القمم الثاث التي تمت في أقل من 48 ساعة، والخطاب املتسامح الذي ألقاه الرئيس دونالد ترمب، مؤكدا أن اإلرهاب لـيـس لــه ديـــن وال عــــرق، فـمـن أقــنــع هـــذا الــرئــيــس الـــقـــادم من فكرة مترسخة لدى كثير من الغربين أن اإلسام هو مصدر التطرف، أليست هي عاصمة «الدنيا» الرياض.