ملاذا صالح كامل؟
سـألـنـي بـنـبـرة مــحــايــدة، ملـــاذا تــم تـكـريـم رجل األعــــمــــال صـــالـــح عــبــدالــلــه كـــامـــل فـــي أمسية أكــــاديــــمــــيــــة شــــهــــدهــــا أربـــــعـــــة آالف شخص مـــن أطـــيـــاف املــجــتــمــع املــخــتــلــفــة فـــي حــفــل جــامــعــة العلوم والتكنولوجيا وفـي ليلة عـرس زف فيها 420 خريجا في مختلف التخصصات التي يحتاجها سوق العمل السعودي فـي ظـل رؤيـتـه الجديدة وتحوله االجتماعي فـي االعتماد عـلـى ســواعــد أبــنــاء الــوطــن وبــنــاتــه فــي إدارة عـجـلـة نموه وتقدمه، جنبًا إلى جنب مع املخرجات التعليمية األخرى والــتــي تــرفــد ســـوق الـعـمـل بـــآالف الـخـريـجـن املــؤهــلــن. إن جامعة العلوم والتكنولوجيا ومنذ أن كانت فكرة مخلقة في ذهن صاحبها الدكتور عبدالله دحالن وضعت شعارها االستشعاري «التعليم من أجل العمل»، دعمه ولي أمر الوطن وشــد مــن أزره مــاديــًا ومـعـنـويـًا حـتـى اســتــوى عـلـى سوقه، بـرؤيـة صـادقـة مـن أجــل بناء اإلنـسـان واملــكــان. تكريم رجل األعمال صالح كامل كانت له أسباب وجيهة وعديدة، فهو صاحب اسهامات متعددة في دعم العلم واملعرفة وتدعيم البحث العلمي منذ والدة جامعة املؤسس في جدة ليستمر عطاؤه حتى اليوم، عالوة على أنه من الرواد األوائل الذين أسسوا للمصرفية اإلسالمية وكـان يـرأس مجموعة البركة لـالسـتـثـمـار والـتـنـمـيـة ومــجــمــوعــة الــبــركــة املــصــرفــيــة، وله إسهامات في االقتصاد اإلسالمي عن طريق مركز االقتصاد اإلسالمي في جامعة امللك عبدالعزيز وله دور واضح وفعال في دعم برامج املسؤولية االجتماعية وتشجيع املشروعات الصغيرة واملتوسطة، عالوة على إيمانه املطلق بدور اإلعالم وتأثيره، فكانت مجموعة من القنوات الفضائية مختلفة املشارب متعددة الرؤية ساهمت في توعية العالم العربي واإلسـالمـي، ونشر الفكر الديني املعتدل وتالقح الثقافات بن الشعوب اإلسالمية، اعتلى مناصب التكريم في أكثر من دولة، وكنا نحن األحق بتكريمه، فكانت هذه اللفتة الطيبة من الدكتور دحـالن الـذي آمـن أن الوفاء ألهـل العطاء قيمة إنـسـانـيـة، يعرفها ذوو الـفـضـل، ويــقــدرهــا أصــحــاب الهمم العالية، ويحتفي بها مـن عظمت فـي نفسه قيمة اإلنسان حـن يتجرد مـن ذاتــه فـي حــدود «أنــاهــا» الضيقة، وليمتد عــطــاؤه ليشمل مجتمعه ووطــنــه واإلنـسـانـيـة جـمـعـاء، في أبهى صور اإليثار والعطاء. ليستحق بهذا الصنيع املجيد الحفاوة والتكريم، وفاء ملا قدم، واعترافًا بما بذل، وهو قمن بهذا، جدير منا برفعه فـوق منصات التتويج والتمجيد. يستحق التكريم فهو صاحب تجربة عصامية استطاع أن يجتاز الكثير من املحطات دون أن يقف عندها طويال حتى تحول إلى قدوة في عالم املال واألعمال واإلدارة. ولــئــن كــانــت احــتــفــاالت الــتــكــريــم قـــد درجــــت فـــي كــثــيــر من املشاهد على تكريم الراحلن، واستذكار صنيعهم بالحفاوة بعد رحيلهم، فـإن هـذه الحفاوة - على جليل ما تقوم به - تبدو ناقصة، فما هي إال حالة استذكار وتأبن، واعتراف «متأخر» كان األولـى أن يكون ماثال في حياة املحتفى به، وقد كانوا جديرين بذلك، وكانت أعمالهم ناطقة وشاهدة ومحفزة على املضي قدمًا لتكريمهم وتحفيزهم بالجوائز والـهـدايـا والــشــهــادات املعبرة عـن تقديرنا ملـا يقومون به، فلو أنـا فعلنا ذلـك في وقته األمثل لكان ذلـك أوفــق وأجدر بأن يزيد من عنفوان املكرم، ويدفعه إلى مزيد من العطاء، وكثير من الجهد في مجاله، ليثمر كل ذلك خيرًا لإلنسانية، ولكن في تكريم الراحلن إنما هي شهادات وفاء تعلق على شواهد قبورهم، وزينة على أكفانهم، وقـد انقطع عملهم، وطويت صفحاتهم، ومـا تزيدهم مثل هـذه التكريمات إال ذكرا في الخالدين، ولن يتسنى لنا أن نقرأ في مالمح الفرح بها في وجوههم، وال سبيل إلى التماس ردة فعلهم عقب تكريمهم مما هو مرجو منهم من مواصلة العطاء والبذل والكدح. وحسنًا فعلت قيادتنا الرشيدة باقتراع العديد من الجوائز واملسابقات التي تفتح املجال للتنافس الشريف في ميدان الـبـذل والـعـطـاء للوطن واألمــة واإلنسانية جمعاء، فكانت هذه املسابقات والجوائز العاملية حقال خصبًا لجهود لفتت النظر إلى أسماء ملعت وضـوت في سمائها بنيلها وقطف ثمارها، فكان التتويج كفاء العطاء، والتكريم نظير البذل، والـحـفـاوة بهم وهــم أحـيـاء يمشون بـن الــنــاس، فـكـان ذلك دافعًا ملزيد من العطاء، فكم ممن فـاز بجائزة من الجوائز الرصينة القيمة مثل له ذلك دافعًا للترشح، بل الفوز بأخرى، فـي اتـصـال وتــواصــل مـع التميز املستمر، وتـقـديـم األجود بما وسعته القدرة على ذلك، ليكتسب التكريم بهذه الصفة صـــورة أخـــرى تتمثل فــي شـحـذ الــهــمــم، وتــحــريــك الساكن، وفتح الساحة أمـام الجميع للتباري (وفـي ذلك فليتنافس املتنافسون) في ميدان الخير، وساحة العطاء، واملحصلة أن الوطن معترف بما قدموا، حفي بما أنجزوا، فرح بما بذلوا، ليكلل هاماتهم الوضيئة بتيجان الوفاء، ويرصع صدورهم بأوسمة ونياشن االحتفاء، وفي ذلك ما يكفي املـرء فخرًا، ويملؤه غبطة وحبورًا حن يـدرك أن ما قدمه محل تقدير واحترام، وما بذله مستوف للوفاء والتكريم. وما الدكتور عبدالله دحالن إال قدوة حسنة في هذا املجال لنشهد املزيد من تكريم األحياء قبل فوات األوان.