Okaz

حامت العوني: املجتمع يعاني من الغلو في التحرمي

ﺃﻛﺪ ﺃﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺃﻡ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻋﻀﻮ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺣﺎﺗﻢ ﺍﻟﻌﻮﻧﻲ، ﺃﻥ ﺑﻴﺌﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺆﺛﺮﺓ ﻓﻲ ﺃﺣﻜﺎﻣﻪ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ، ﻣﺸﻴﺮﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻘﺸﻒ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﺃﺛﺮ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﻃﺌﺔ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺻﺪﻭﺭ ﻓﺘﺎﻭﻯ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ﺍﻟﻤﺘﺸﺪﺩﺓ ﻟ

- حوار: عبداهلل الداني (جدة)

● ذكرتم مرة أن اإلسالم مدني بطبعه، هل بيئة العالم مؤثرة في فقهه؟ ●● ال شك أن البيئة هي أحد املؤثرات في الفهم؛ ألنها تشكل الطباع واملـيـول، وجـزء من فهم النص الشرعي يتأثر بذلك. وملـا كـان اإلسام دين حضارة ودينا مدنيا يدعو إلعمار األرض وللتنافس في اكتشاف سنن الـكـون لتسخيرها لبني آدم كــان الطبع املـتـأثـر بعزلة البداوة وبكراهية البدوي للحضارة ورغبته في حياة التقشف البدوية أبعد بطبعه عن إحدى أهم خصائص اإلسام، مما سيؤثر سلبا في فهمه للدين. طبعا ليس املقصود بـ(البدوي) في كامي هـذا: العرق أو النسب أو القبيلة، وإنما املقصود به التبدي وحياة البدو من أي عرق وفي أي بلد: وهي الحياة التي تبتعد عن االستقرار وتميل إلى التقشف طلبا لسهولة التنقل. فمن مال إلى عزلة البدوي ال تستغرب منه ميا إلى االنغاق في فهمه لنصوص الشرع املتعلقة بعاقة مع الجديد ومع اآلخر؛ ولذلك سمعنا ممن تأثر بهذا الطبع فتاوى تحريم الجديد التي طواها الواقع، من تـحـريـم الـتـلـفـز­يـون إلــى الـتـحـذيـ­ر مــن الـفـضـائـ­يـات إلــى اإلنـتـرنـ­ت إلى الجوال الذي فيه كاميرا. في قائمة طويلة ال تنتهي! فالبدوي الطبع يخاف من الجديد، ويرتاب في كل ما يخالف عاداته. وفي العاقة مع اآلخر املختلف؛ سمعنا فتاوى الغلو في معتقد الوالء والبراء التي وصلت حد التكفير الباطل مرات، وتحريم السفر للخارج وجعله بني الكفر والكبيرة من كبائر الذنوب. وسمعنا فتاوى الغلو في التحريم بحجة مشابهة املشركني أو بادعاء تعميم األمر الواجب بمخالفتهم، حتى في جوانب املشترك اإلنساني بل حتى في جوانب هي من وجوه تتبع الحكمة التي هي ضالة املؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. وكان لتقشف الصحراء أثر في تشكيل العديد من التصورات الدينية الخاطئة، لـم يكن هــذا التقشف هـو سبب خطئها الوحيد، لكنه كان رافدا معززا لبقية أسبابها األخرى. حتى السطحية في فهم النص الشرعي والظاهرية في تناوله ومدح هذه الظاهرية على أنها هي تعظيم النص، هي مناهج للتعامل مع النص الشرعي تنسجم مع طبيعة تفكير البدوي الذي يميل إلى الفهم التجزيئي للنص وهـو الفهم غير املركب، مع أن هـذا الفهم هو الذي عابه الله تعالى في قوله سبحانه {الذين جعلوا القرآن عضني}، أي جعلوه أجــزاء مفرقة في الفهم، فهي صــورة من صـور جعله عضني. وهذا الفهم السطحي الظاهري هو الذي أخرج الخوارج قديما، وعلى رأسهم ذو الخويصرة الـذي اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم العدل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن منهجه هو أصل الفكر

الخارجي. فمشكلة الـخـوارج والذين كـان عامتهم صحراويني جهلة أنهم ظنوا فهمهم الظاهري السطحي التجزيئي لنصوص الوحي هو الوضوح، وظنوه هو الفهم الصحيح للكتاب والسنة، وبذلك اعترضوا على فقهاء الصحابة وسادتهم رضوان الله عليهم. وبهذا تبني أن بعض فقهنا املحلي (ال كله) واقع في ذلك الفهم، وقد سبقت أمثلة منه. اجلمود الفقهي ●هل نحن فعال نعاني من الجمود الفقهي، ولم كان ذلك؟ ●● الـجـمـود الفقهي هـو نـتـاج الـجـمـود الـفـكـري. ومــن يشك أن أمتنا تـعـانـي مــن هــذه األدواء؛ مــن جـمـود فـكـري جعلنا فــي آخــر قائمة األمــم، إلــى ضعف وعــي قـد أطمع فينا كـل طامع وجعلنا محتاجني لغيرنا من غير أهل ديننا وحضارتنا حتى في إصاح واقعنا. إذن فــاألمــة تعاني مــن الـجـمـود الفقهي وال شك، وإن كـــان ذلـــك ال يـعـنـي وصـــم جـمـيـع املتفقهني بذلك، لكنه الغالب عليهم، حتى ال تكاد تجد إال أفــرادا قائل ناجني من هـذا الجمود، ولذلك كان أثر الفقهاء الحقيقيني (من أهل العمق والتجديد الفقهي) أثرا ضعيفا، ألن أهل الجمود أكثر عددا منهم بكثير، مالئني الفضاء واإلعــام واملنابر واملناصب، وهم يحاربون الفقهاء الحقيقيني أشد املحاربة. التشدد واإلميان ● قلتم إن البعض يرى التشدد عالمة لإليمان فحرموا كثيرا من اللهو املباح، ما سبب ذلك؟ ●● سبب ذلك أمور عدة، سأذكرها بكل وضوح ومباشرة، وبا تطويل وال لف وال دوران: الجهل بحقيقة الشريعة السمحة، كالفهم الخاطئ للورع، والتصور الخاطئ عن متع الحياة، والتخوف من التمتع بالجمال بحجة الزهد أو الخوف من الفتنة بالدنيا.. في قائمة طويلة من جهل اإلفراط. لقد حرموا عامة أنواع اللهو القديمة والحديثة (كالشطرنج والورق وكرة القدم وعامة فنون الرياضة املعاصرة وعامة الفنون)، وبعض تحريمهم قد سبقوا إليه في بعض تراثنا االجتهادي، وما أشد فرحهم بالتشديد إذا سبقوا إليه، ولذلك سرعان ما تجدهم يميلون إليه، دون

اعتبار لاختاف املعتبر املوجود في تراثنا أيضا، لكن أعينهم ال تقع من تراثنا إال على التشديد فيه؛ لشدة هواهم فيه. من أسباب ذلك أيضا، سوء الظن باملجتمع، ولذلك يمارسون الوصاية عليه بالتحريم املطلق ملا أباح الله بحجة سد الذريعة أو بحجة خوف الفتنة أو بحجة فساد الزمان، وكأن املجتمع ليس لديه وازع من نفسه. فـإنـه إن كــان املجتمع ليس عـنـده وازع ذاتــي فقد فشلوا فـي تربيته على اإلسام، رغم الفرص املتاحة لهم، وإن كانوا فشلوا بسبب انعدام الفرص (كما قد يزعمون) فهل يتوقعون فرصة املنع وتحريم ما أحل الله للناس ستكون فرصة متاحة لهم؟! لقد سمعنا من يحرم قيادة املـرأة للسيارة بحجة أن املـرأة إذا مسكت مفتاح السيارة ذهبت إلـى عشيقها! فمن هـذا االتـهـام القبيح للمرأة املسلمة عموما واملرأة السعودية خصوصا تصدر الفتوى! الغلو في التحريم ●قلتم إن اتقاء شبهة تحريم ما أحل الله غائبة عند كثير من املفتني، كيف يكون ذلك؟ ●● نـــعـــم.. نــحــن نــعــانــ­ي مـــن الــغــلــ­و فـــي التحريم، وسبقت أمثلة يسيرة عليه، والقائمة تطول جدا. التدين اخلاطئ ● مـا مفهوم التدين الخاطئ لديكم وهــل هـو مـوجـود بكثرة لدينا؟ •• مفهوم التدين الخاطئ: هو كل تدين يخالف قطعيات الدين وأصـولـه الكبرى ومنطلقاته اإليمانية وحقائقه اليقينية: املتعلقة بعاقة العبد بربه، وبعاقة العبد باملخلوقات عموما وباإلنساني­ة خصوصا، وبعاقة الدنيا باآلخرة، وبعاقة اتخاذ األسباب بالتوكل على الله تعالى، وبعاقة إخاص النية وصاح املقصد بوجوب اتباع السنن الكونية ألسباب النصر والتمكني. إن مجرد تخلف األمة وضعفها، رغم انتشار التدين الذي يباهي بسعة جماهيريته اإلسـامـيـ­ون فـي كـل اقــتــراع وانـتـخـاب، يـؤكـد أن مـن أهم أسباب تخلفنا هو تخلف تصورنا الديني وفهمنا الديني الغالط؛ ألنه لو كان تديننا صحيحا، والدين هو املحرك األكبر للشعوب اإلسامية، لوجدنا الذين يملؤون املساجد هم أنفسهم الذين يملؤون املختبرات واملصانع، والذين يملؤون الـشـوارع في مظاهرة صاخبة تدافع عن املقدسات هم أنفسهم الذين يحرصون على املشهد الحضاري والرقي في الدفاع عنها، والذين يتدافعون ملا يسمونه بالجهاد هم أنفسهم الذين يجاهدون في طلب العلم واملعارف التي أمروا باإلعداد لها قبل الجهاد.. وهلم جرا.

● هل اتهامكم باالنتساب لجماعات كالصوفية وغيرها وسيلة إلسقاطكم أم أن ذلك حقيقة؟ •• لقد وص ɝف ɝ تباملتناقض­ات: بأني صوفي وب ɝ أن ɝ ي وه ɝ اب ɝ ي، وبأني شيعي وبـأنـي ناصبي، وبـأنـي أشـعـري وبـأنـي سلفي، وبـأنـي جامد وبأني مميع، وبأني ثوري وبأني من وعاظ الساطني... كل من غضب من نقدي ملدرسته، وجـد أسهل طريق ملحاولة إسقاط نقدي هو أن يتهمني بما يبغضه هو ويعاديه من املذاهب واملناهج. وهذه حيلة قديمة، فقد اتهم اإلمام أبو حنيفة ببدعة الخوارج (السيف) وباإلرجاء أيضا، واتهم اإلمام مالك بإثارة العامة على السلطان وجلد وأوذي بـسـبـب ذلـــك واتــهــمـ­ـه بـعـض أهـــل الــتــديـ­ـن بــمــمــا­ألة الطواغيت والسكوت عن نصيحتهم، واإلمام الشافعي اتهم بالرفض أو بمطلق التشيع (كما فعل العجلي وبعض املالكية) حتى قال بيته الشهير: إن كان رفضا حب آل محمد /// فليشهد الثقان أني رافضي ومع أني سلفي، وال عاقة لي بالخرافة وبالبدع املنسوبة إلى التصوف، وال عاقة لي بغلو التكفير والتبديع والتحريم وسطحية االستدالل املنسوبة للمنهج السلفي؛ إال أني أقول على نمط بيت الشافعي: إن كـــــــــ­ـــــــــا­ن حـــــــــ­ـــــــــب الــــــــ­ـصــــــــ­ـالـــــــ­ــحـــــــ­ــني تـــــــــ­ـــصــــــ­ــــــوفــ­ــــــــــ­ا فـــــــــ­ـلــــــــ­ــيـــــــ­ـــشــــــ­ــــهـــــ­ـــــدوا أنــــــــ­ــــــــــ­ـــي إذن مـــــــــ­ــــتـــــ­ــــــــصـ­ــــــــــ­ــوف َْ وإذا رأوا عـــــــــ­ـمــــــــ­ــل الــــــــ­ــقـــــــ­ـــلــــــ­ــــوب تـــــــــ­ـصــــــــ­ــوفــــــ­ــــا فـــــــال­ـــــــفــ­ـــــخــــ­ـــر إن لـــــــــ­ـــي صـــــــــ­ـــــــح فــــــــي­ــــــــه تـــــــــ­ـــــصــــ­ــــــــــ­رف وإذا رأوا بـــــــــ­ـــــــغــ­ــــــــــ­ــــض الــــــــ­ــــخـــــ­ـــــــراف­ــــــــــ­ــة بـــــــــ­دعــــــــ­ـة ســـــــــ­ــــلـــــ­ــــــــفـ­ــــــــــ­ــيـــــــ­ــــــة، إنــــــــ­ــــــــــ­ـــــــــي إذن مـــــــــ­ـتــــــــ­ــســـــــ­ـــلــــــ­ــــف أو قـــــــــ­ـــد رأونــــــ­ــــــــــ­ــــــــي مـــــــــ­ـــنــــــ­ــــــكـــ­ـــــــــر­ا بـــــــــ­ــــــــــ­ــــــــدع الـــــــق­ـــــــبــ­ـــــور فـــــــــ­ـــــــــذ­الــــــــ­ــــــــــ­كـــــــــ­ـــــــــم حـــــــــ­ــــــــــ­ــــــــــ­ــق بـــــــــ­ــــــــــ­ــــه أتــــــــ­ــــــــــ­ـــــشــــ­ــــــــــ­ـــــــــر­ف

نقد التراث

● يبدو أن أكثر آرائكم حول نقد التراث يشترك معك فيها عدد من الدعاة، ملاذا أنت دائمًا في فوهة املدفع لوحدك؟ ●● إن صح أني في فوهة املدفع وحــدي، فيبدو أن ذلك ال يقع إال إذا كان املنتقد بحق قد سار في نقده على أحد املناهج التالية: أنه يصرح وال يمغمغ الكام، أنه كان يستدل لنقده بقوة تحرج أصحاب الرأي املنتقد، أنه أتى إلى أصل الخطأ وأسسه املنهجية ومنطلقاته الكبرى بالهدم لها، فـإن كـان هـذا أو بعضه هـو مـا وقـع مني، فقد يكون هو سبب ما تذكره من كوني أمام فوهة املدفع وحدي.

تقشف الصحراء أثر في تشكيل تصورات دينية خاطئة

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia