Okaz

األزمة القطرية.. ومفهوم «الوالء واالنتماء»

- خالد عباس طاشكندي ktashkandi@okaz.com.sa khalid_tashkndi@

لقد أفرزت لنا أزمة التصريحات القطرية املسيئة مفاجأة مؤسفة، وكأنما «شق السكون -فجأة- عواء ذئب» كما جاء في قصيدة الراحل أمل دنقل «أشياء تحدث في الليل» التي أهداها إلى صالح حسني امللقب بشهيد الفالحني في مصر بعد أن غدر به اإلقطاعيون عام 1966 دفاعًا عن مصالحهم وألنه دافع عن حقوق الفالحني ضد جشع اإلقطاع، واشتهرت تلك الواقعة بمسمى «أحداث كمشيش» نسبة إلى القرية التي شهدت حادثة اغتياله. وال أقصد من هذه القصة خلق أي أوجه للمقارنة مع ما يدور من خالفات سياسية مع دولة جارة كنا وما زلنا نمني النفس بأنها دولة شقيقة «منا وفينا» تربطنا بها على حد وصف الشيخ تميم بـن حمد «أعـمـق األواصـــر األخـويـة وأمتنها وأشدها رســوخــًا» وفــقــا ملــا ذكـــره خـــالل مــراســم اسـتـقـبـا­لـه لــخــادم الحرمني الشريفني فـي الــدوحــة الـعـام املــاضــي، ولـكـن مـا نقصده هـم أولئك املحسوبون علينا بأنهم من أبناء هذا البلد، ترعرعوا فيه وأكلوا وشربوا من خيرات هذا الوطن، ثم باعوه بأبخس األثمان، بأقل من مائة وأربعني حرفًا اختزلوها في تغريدات مسمومة في الفضاء االفــتــر­اضــي هــاجــمــ­وا بـهـا مــن انــتــقــ­دوا املــواقــ­ف الـقـطـريـ­ة األخيرة دفاعًا عن الوطن وخونوهم بأقذع الشتائم، بما في ذلك مهاجمتهم لوسائل اإلعالم الوطنية وتكذيبها وتخوينها، في حني انبروا للدفاع عن قطر وضد كل من وقف بجانب وطنه ودافع عنه في ظرف كهذا. هـــؤالء الــرهــط بــال أدنـــى شــك خــانــوا وطـنـهـم، ومـؤامـرات­ـهـم وأهــدافــ­هــم مكشوفة، وغالبيتهم يدفعهم لذلك والؤهم الحزبي العميق لجماعة اإلخوان وقياداتهم الذين تؤويهم دولة قطر وتبرزهم عبر وسائلها اإلعالمية الرسمية والوسائط اإلعالمية األخــرى التي تمولها في الخارج، بل واستمرأ الكثير منهم الخيانة، حيث سبق وأن رفعوا شعارات «رابعة» اإلخوانية عبر حساباتهم املشبوهة في مواقع التواصل االجتماعي تعبيرًا لوالئهم للجماعة، بالرغم أن الــدولــة جـرمـت االنــتــم­ــاء لـهـذه الـجـمـاعـ­ة وصنفتها بـأنـهـا جـمـاعـة إرهــابــي­ــة وأعـلـنـت عن محاسبة «كل من يقوم بتأييد مثل هذه التنظيمات، أو الجماعات، أو التيارات، أو التجمعات، أو األحــزاب، أو إظهار االنتماء لها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل اململكة أو خارجها، ويشمل ذلك املشاركة في جميع وسائل اإلعالم املسموعة، أو املقروء ة، أو املرئية، ووسائل التواصل االجتماعي بشتى أنواعها، املسموعة، أو املقروءة، أو املرئية، ومواقع اإلنترنت، أو تـداول مضامينها بأي صورة كانت، أو استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، أو أي رموز تدل على تأييدها أو التعاطف معها»، وذلك وفقًا لألمر امللكي رقم 16820 بتاريخ ،ـه1435/5/5 والذي دخل حيز التنفيذ منذ يوم األحد ،ـه1435/5/8 املوافق 9 مارس .2014 وال نغفل أن بعض الدهماء والسوقة انجرفوا خلف هؤالء الحاقدين على الوطن بعد أن خيلوا لهم بأن الدوحة هي واحة الفضيلة بأوصاف لن نجدها حتى في خياالت أفالطون ومدينته الفاضلة، وقاموا بالدفاع عن مواقف دولة قطر والقنوات اإلعالمية القطرية خاصة الجزيرة فيما وجـهـوا إســـاءات مباشرة لوسائل اإلعــالم الـسـعـودي وكــل مـن انتقد املـواقـف القطرية، وكــان األولــى بـهـؤالء إمــا الـدفـاع عـن وطنهم والــوقــو­ف بجانبه أو كف ألسنتهم، ومـا اقترفوه يستوجب املطالبة بمحاسبتهم وفقًا لألنظمة والقوانني بناء على ما تفوهوا به في شبكات التواصل من تخوين وسـب وشتم وقــذف ضد كل من دافــع عن الوطن خالل هذه األزمة، فهذه األفعال املشينة تندرج تحت البند األول من املادة السادسة من نظام مكافحة جرائم املعلوماتي­ة الذي يعاقب بالسجن في حدود خمس سنوات وبغرامة تصل إلى ثالثة ماليني ريال لكل من يقوم إنتاج ما من شأنه املساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو اآلداب العامة، وإرساله عبر الشبكة املعلوماتي­ة. األهم من كل هذا، يكمن في األسباب التي أنتجت لنا شريحة اجتماعية لديها خلل مخيف في مفهوم «الوالء واالنتماء» للوطن، فهناك من يساهم في هذا الخلل عبر التشويش الفكري والـعـقـائ­ـدي، بـزعـم أن الـــوالء يجب أن يـكـون مطلقًا لـألمـة اإلسـالمـي­ـة، وهــو مـا يلغي مفهوم الـوطـن واملـواطـن­ـة وسـيـادة الـدولـة وحــدودهــ­ا لــدى هــؤالء، وتلقائيا أصبح مفهوم االنتماء لديهم ليس لألمة اإلسالمية مجتمعة، حيث تفرعت هـذه املسألة وفقًا للمرجعية املذهبية والفكرية والسياسية الدينية، وهذا األمر خطير ومستفحل في عقول الكثيرين مع األسف، وعليهم إدراك أن «الوالء» لله سبحانه وتعالى و«االنتماء» للوطن، والنظام األساسي للحكم في اململكة واضـح وصريح في هذا الشأن «اململكة العربية السعودية دولـة عربية إسالمية ذات سيادة تامة، دينها اإلسـالم ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولغتها هي اللغة العربية وعاصمتها الريـاض، ويبايـع مواطنوها امللك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وعلى السمـع والطاعة في العسر واليسر واملنشط واملكره».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia