(بدا ما بدا)
الــتــئــم شــمــل الــصــغــار مــن الــبــنــن والــبــنــات، فـــوق جــنــاح البيت الخشبي يتطلعون إلى السماء لترقب إطاللة الضيف. رؤوسهم إلى الوراء محنية. البعض منهم انسدح على ظهره لرصد والدة الـقـمـر، وأصـابـعـهـم تشير إلــى األعــلــى (انــحــاهــو) قالها أحدهم. تضاحك البقية مرددين: (ال ال). كانت (شريفة) طفلة خفيفة ظل، ومشاغبة. تقسم أنها تشوفه كما خيط البفت. رد عليها ابن جارها املشاكس: ابصمي على شحمة يا مهبولة، إنتي أصـال عمشاء ما تشوفن. الهالل ما يطلع من وسط السماء، أول ما يولد من املغرب زي ما علمنا مدرس العلوم الفلسطيني. سألته أخـتـهـا: ليش يـولـد يــا أهــبــل؟ هــوه عـنـده (أم) زيـنـا يولد منها؟ تضاحك الصغار على حكاية والدة القمر. فتولى املشاكس الشرح بالتفصيل. أطــل الـجـد مــن شـبـاك املــنــزل: بــشــروا يــا حـبـانـي بــدا ؟ فيجيبون بصوت واحد: ال ما بدا. يمد يده إلى كيس القسبة ويخمش منه حبات ويقضمها على درمه، كون أسنانه تساقطت جميعها. كــأن هــالل رمـضـان أحــد أفـــراد العائلة ممن نــأت بهم عـن البيت الخطى. ال سبيل ملعرفة قدومه ملن سكنوا أعالي الجبالي إال من خالل بندقية أبو سعيد كونه ممن يحتكم على مذياع يسمع فيه بيان العلماء، ثم يصعد فـوق البيت، ويرمي بالبلجيكي ثالث طلقات يسري صدى صوتها يهز الجبال. عاد الصغار للبيوت. فيما خرج كبار السن لتأدية ما تيسر من ركعات. كان أبو سعيد متمدنًا. طلب من أم سعيد املبخر، وحمل املــلــقــاط، ووضـــع ركـبـتـه عـلـى طــرافــة الــحــرانــة، فـالـتـقـط جمرات، وأخرج أعوادًا من كيس قماشي، سلم املبخر البنه. وأوصاه أن ال يضع األعواد الزرق إال بعدما يدخل داخل املسجد، ويضع املبخر في الركن، ويصلي بالجماعة. انصرف أبو سعيد إلى تحريك مؤشر املذياع. صادفت تلك الليلة حفلة (أم كـلـثـوم) فــي إذاعـــة صــوت الــعــرب. وأول تقديم ألغنية (ربــاعــيــات الـخـيـام) كـانـت ألــحــان ريـــاض السنباطي تتسلل من جدران بيوت الجيران. تـمـدد األطــفــال عـلـى فـرشـهـم وأعـيـنـهـم تـرقـب األمــهــات مــن تحت البطانيات، ومتى ينصرفن إلعداد السحور. النوم غالب لم يفق معظمهم إال ضحى الغد. علمي وسالمتكم.