الصيام الطويل.. فقه التقدير

يمكن الــقــول إن الــقــرون الـثـالثـة األولـــى فــي اإلســـالم كـانـت الفترة الزمنية لتأسيس املذاهب الفقهية، ومنذ ذلك الوقت وحتى وقتنا هـــذا ظــهــرت وال تــــزال تـظـهـر أمــــور جــديــدة لــيــس فــي الــكــتــاب وال السنة نص صريح يـدل عليها بعينها، ومـن هـذه األمــور الصيام ملدة تتجاوز 22 ساعة من أصل 24 في اليوم على حـدود الدائرة القطبية الشمالية في «جمهورية آيسلندا» التي يشكل املسلمون فيها نسبة %2 من عدد السكان. إن الصوم عندما فرض في بداية األمر، كان وقت اإلمساك من حني صالة العشاء، ثم خفف الله تعالى على األمة اإلسالمية بسبب ما ابتلي به عمر بن الخطاب وصرمة بن أنـس رضـي الله عنهما وغيرهما من تعب وإجهاد. فتقدير مواقيت الصوم في «جمهورية آيسلندا» يعد اجتهادًا للتخفيف عن ألف مسلم يسكنون تلك البالد، وقد أقر الرسول عليه الصالة والسالم اجتهاد معاذ بن جبل عندما بعثه إلـى اليمن كما روى الـدارمـي وغيره أنـه سأله: «كيف تقضي إذا عرض عليك قضاء إذا لم تجده في الكتاب والسنة؟» فقال: أجتهد رأيي وال آلو، فضرب الرسول عليه الصالة والسالم على صدره وقال: «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله ملا يرضي به رسول الله». وعندما ذكر الرسول عليه السالم رمضان قال: «ال تصوموا حتى تروا الهالل وال تفطروا حتى تـروه، فإن غم عليكم فاقدروا له». وقد جاء وجوب التقدير كذلك في حديث الدجال الطويل عندما ســأل الصحابة رضـــوان الـلـه عليهم: يـا رســول الـلـه ومــا لبثه في األرض؟ قال: «أربعون يومًا يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم»، قالوا يارسول الله: فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صالة يوم؟ قال: «ال.. اقدروا له قدره» وأحكام الصيام ال تختلف عن أحكام الصالة كونها من فقه العبادات. وبــمــا أن مـقـصـد الــفــقــه إنــقــاذ الــنــفــوس مــن مـهـلـكـاتـهـا، وبــمــا أن النقص والعجز والضعف من صفات البشر، ولئال يقع الصائم في املحظور يجب إدراك أبعاد هذه الحالة بالتفقه في جزئياتها التفصيلية، قال ابن منظور: «والفقه في األصل: الفهم». والذوق الفقهي السليم هنا يكون بتقدير الصيام في تلك البالد بما يتناسب مع أقرب بلد معتدل، قال النووي: «وإذا رئي ببلد لزم حكمه البلد القريب» أي الهالل، وقـال الشيخ شلتوت: «صيام ثالث وعشرين ساعة تكليف تأباه الحكمة من أحكم الحاكمني». ولتخفيف الصيام أثـره البالغ على نفس املسلم واطمئنانه وتأكيد لحديث إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إال غلبه، فسددوا وقاربوا للفوز بسعادة الدارين.