Okaz

مقاربة بني كوبا وقطر.. وعالقة السعودية وأمريكا بهما!

- @massaaed m.assaaed@gmail.com

في العام 1960 قامت جمهورية كوبا، وهي إحدى جمهوريات «املوز» في البحر الكاريبي، باختراق خطير ملنظومة العاقات الدولية لم يحدث من قبل، كانت مغامرة غير راشدة ارتكبها الرئيس املغرور فيدل كاسترو، الذي ظن لوهلة أنه أبو الحركات الثورية ونصير الشعوب. خطوة مـن رجــل جــاء صدفة لقيادة بلد «متناهي الصغر»، كاد العالم أن يدفع ثمنها غاليا، لوال أن الواليات املتحدة األمريكية تعاملت بـحـزم وصــرامــة مــع «دويــلــة» كــوبــا، الـواقـعـة فــي أقصى جنوبها الشرقي وأقرب ما تكون إلى «حذائها». قــام فيدل كاسترو املتهور فـي عاقاته الـدولـيـة، الـداعـم الرئيس لكل حركات التطرف واإلرهاب في ذلك الوقت، بدعوة ألد خصوم واشـنـطـن إلقـامـة قـاعـدة عسكرية تحمل صــواريــخ نـوويـة تسمح بضرب معظم أراضي الواليات املتحدة خال ثوان، دون أن تتمكن منظومة الساح النووي األمريكي من الرد عليها. يـا لـه مـن حـاكـم فـاقـد للحد األدنـــى مـن األهـلـيـة واملـنـطـق، فكيف تــصــور أن أمــريــكـ­ـا يـمـكـن لــهــا قــبــول أن تـفـصـلـهـ­ا عـــن صواريخ موسكو النووية بضعة كيلو مترات، وتصبح رهينة هي وشعبها ومستقبلها لدولة عدوة، ولكاسترو الرجل املخبول الذي ليس له من فهم السياسة شيء. شعرت الـواليـات املتحدة األمريكية، بالطعنة وبـمـرارة الخيانة، ووجدت أن جارها «كاسترو» ليس سوى «مستولي» على السلطة في باده، مهووس ومصاب بجنون العظمة، كاد أن يلحق بكوبا واملنطقة والعالم أزمة ستبيد البشرية جميعا. فماذا فعلت واشنطن؟ فـــكـــرت الــــوالي­ــــات املـــتـــ­حـــدة فـــي مــهــاجــ­مــة كـــوبـــا وتـــدمـــ­يـــر قاعدة الصواريخ والتخلص من الخطر فورا، اال أن الرأي حينها استقر على التعامل مع األزمة، بطريقة تفتيت الخصم قضمة قضمة. بدأ ذلك بحظر للماحة في املياه الدولية واملجال الجوي، تاه حصار اقتصادي وعسكري ومدني استمر ملا يزيد على خمسني عاما، ركع كوبا ووضعها أمام خيارين ال ثالث لهما؛ إما التخلص من «كـاسـتـرو»، واالنضمام للمجتمع الـدولـي، والعمل من خال منطق الجيرة والدبلوماس­ية، أو البقاء تحت الحصار الذي حول كوبا الى دولة فاشلة محطمة. كما أعلنت الواليات املتحدة أنها لن تسمح أبـدا بتسليم أسلحة هجومية لكوبا، وطالبت السوفيت بتفكيك أي قواعد صواريخ مبنية أو تحت اإلنشاء وإزالة جميع األسلحة الهجومية منها. اليوم وبعد 55 عاما من تلك األزمة تواجه السعودية ما واجهته الواليات املتحدة األمريكية من خيانة وغدر، فدولة قطر الواقعة في طرف اململكة الشرقي، تحكمها سياسات متهورة غير راشدة، وتـضـع نفسها فـي مكانة ال تستحقها وليست لـهـا، ال مـن حيث اإلمكانات، وال حتى من دبلوماسية الهواة التي تستخدمها. فا أموال الغاز، وال دعم جماعة اإلخوان املسلمني اإلرهابية وقوى التطرف، تمكنها من السيطرة على مستقبل املنطقة، وال تجعلها مسؤولة عن مستقبل الشعوب، وتوقها للديموقراط­ية كما تدعي، فا الدوحة عاصمة للديموقراط­ية، وال هي دولة حرية وإنسانية. كـمـا أن مــحــاولـ­ـة قـطـر تـعـويـم إيــــران سـيـاسـيـا وإعــادتــ­هــا للصف الـــدولــ­ـي، بـعـدمـا حــوصــرت كــدولــة مــارقــة تــدعــم اإلرهـــــ­اب، وبناء عــاقــات عـسـكـريـة واقــتــصـ­ـاديــة عـلـى حــســاب الـــريـــ­اض، وهـــي ألد خصومها، وأكثرها عــداء لأمن العربي واإلســامـ­ـي، واستدعاء طــهــران لــبــنــا­ء مـنـظـومـة صـــواريــ­ـخ وبــنــاء قــاعــة عـسـكـريـة بجوار الـسـعـودي­ـة، سيمكنها مـن رقـبـة الــريــاض كما حــاول كـاسـتـرو مع واشنطن. األزمة الكوبية والقطرية متشابهتان لحد بعيد، فكاهما كيانان صـغـيـران يــجــاورا­ن دولـتـني عماقتني، وكلتا الـدويـلـت­ـني تآمرتا على جارتيهما، ودعمتا بشكل أو بآخر القوى الراديكالي­ة سواء اإلسامية عبر قطر، أو الشيوعية عبر هافانا. إضافة إلى أنهما تحالفتا مع خصوم الدولتني املجاورتني لهما، وأقامتا معهما عاقات مخابراتية وعسكرية واقتصادية، تشكل خــطــورة كــبــرى عـلـى األمـــن واالســتــ­قــرار، ولــاســتـ­ـقــواء بهما على حساب عاقات الجيرة. لم يقتنع كاسترو بحجة العالم أن ما فعله كـان خطأ ال يغتفر، وأنه جر باده ملواجهة كبرى ال يستطيع مواجهتها، بل بقي على مراوغاته، ووعوده الكاذبة، لكن ذلك كله دفع واشنطن للسير قدما فــي حـصـار كـوبـا وتركيعها، وجعلها تنصاع ملشيئة التاريخ، وقدر الكبار. الــيــوم الــريــاض هــي أيــضــا أمــــام خــيــارات عــديــدة، لعلها تختار منها، إغـــاق حــدودهــا الـبـريـة ومجالها الــجــوي، وقــع العاقات الدبلوماسي­ة، ووضع الدوحة أمام حصاد البيدر الذي زرعته ولن تجني منه سوى الشوك والحنظل والحسرات.

 ??  ?? نازحون يحملون ممتلكاتهم للهروب من الفيضانات التي خلفتها األمطار الغزيرة في نياال جنوب دارفور بالسودان. (رويترز)
نازحون يحملون ممتلكاتهم للهروب من الفيضانات التي خلفتها األمطار الغزيرة في نياال جنوب دارفور بالسودان. (رويترز)
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia