Okaz

جتديد.. آن أوانه!

- حسين شبكشي hashoboksh­i@gmail.com

فــي عـصـر املـعـلـوم­ـة الـرقـمـيـ­ة الــدقــيـ­ـقــة، فــي زمن الــتــقــ­نــيــة الــحــديـ­ـثــة، فـــي أيـــــام مــحــركــ­ات البحث املعلوماتي­ة املذهلة تبقى اإلجــابــ­ات عـن أسئلة في صميم البحث العلمي للتراث الفكري في الفقه اإلسامي مسألة معقدة ومعضلة. فهناك عـدد ال بـأس به من العبارات والـديـبـا­جـات الـتـي تحولت مـع مــرور الـوقـت إلــى مسألة أشبه باملسلمات املقدسة غير القابلة للبحث وال النقاش. هل يمكن تقديم قـيـاس حقيقي وعملي قـابـل للتقييم الـدقـيـق عـن لفظ «جمهور العلماء» وبنفس املفهوم والغاية والغرض، هل من املـمـكـن تـقـديـم إحــصــاء دقــيــق عــن املــقــصـ­ـود بـمـفـهـوم «السلف الصالح»، ومـا الـذي يفرقهم عن «السلف غير الصالح» مثا، وهناك لفظ آخر بحاجة ألن يخضع للتدقيق العلمي املنشود واملقترح وهو «ما اتفق واجتمعت عليه األمة». تراكمت الكتب عبر األزمنة وكونت إرثا متوارثا ومع مرور الوقت لم يكن من املمكن «نقد» حتى ال نقول التشكيك في رحابة رأي أو فتوى أو بحث أو كتاب لعالم أو شيخ، حتى أن الجرأة بلغت أنه تم قبول فكرة «تصحيح» أحاديث للرسول الكريم عليه الصاة والــســام، ولـكـن ال تقبل فـكـرة اإلقــــدا­م على تصحيح أو حتى حذف الكثير من الضار والخطير من آراء وفتاوى العديد من العلماء املعاصرين والقدامى، واعتبار ذلك نوعا من االنتقاص بهيبة الدين نفسه، وهذا طبعا هراء عظيم. الحديث عن ضرورة وأهمية بل وحتمية مطلب التجديد في الخطاب الديني ليس نـوعـا مــن الترفيه والـرفـاهـ­يـة الـفـكـريـ­ة، أو كما يـدعـي مقطبو الحواجب مكفهري الوجوه بأن «هذا هو جزء أصيل من مخطط تغريبي لــأمــة» وأن «هـــذا هــو تكلمة لـلـمـشـرو­ع الصهيوني اإلمبريالي لتركيع األمـة»، متناسني الحديث النبوي الشريف على صاحبه أفضل صاة وأتم تسليم، الذي أكد فيه أنه يبعث على رأس كل مائة عـام مجدد يجدد لأمة دينها، فالتجديد بالتالي سنة مؤكدة وحكمة طبيعية إلثبات أن الدين بفكره وفقهه بعيد عن الجمود والتحجر وصالح فعليا وعمليا لكل زمان ومكان. من الواضح جدا أن التجديد في الخطاب الديني بات مطلبا جوهريا، وبات من املهم أن يحصل خطاب تجديد متجدد ال يقتلع من الجذور وال يبعد عن مستجدات العصر على أن يـراعـي واقــع الـنـاس وأحـوالـهـ­م بما ال يخالف أصول الدين. العمل املؤسساتي بات مطلبا جوهريا ألنه هو األسلم للمجتمعات املتعددة مذهبيا وطائفيا وعرقيا، ففي ذلك عمل جماعي يتم فيه مراعاة الظروف الجمعية للمجتمع بعيدا عن رأي الفرد الواحد الـذي قد تتغلب عليه األنـا والهوى ومآرب أخـــرى. ويتضح أن أحــد أهــم أسـبـاب تـدهـور الخطاب الديني املعاصر هو الدخول الفج للسياسة في محتواه، إذ اتضح أن هناك من كان يستغل ذلك في مراحل مختلفة ومحطات متتالية لتحقيق مآربه وأهدافه وغاياته املتنوعة. التحديات املعاصرة تقتضي التعامل مع «التراث» الديني بشكل مختلف ومعرفة وأن فـكـرة «األمـــة اإلســامــ­يــة» تـغـيـرت وأصــبــح مــن الضروري التعامل الواقعي «للمسلمني حول العالم»، وهو الذي ولد فكرة فقه املهجر ملسلمني يعيشون كأقليات في دول غير إسامية في كافة أنحاء املعمورة ولهم بعض اآلراء الفقهية املختلفة نوعا ما عن اآلراء املسموح بها للمسلمني الذين يعيشون في دول إســامــيـ­ـة. وهـــذا فــي حــد ذاتـــه بــاب عظيم لكسر الجمود التقليدي عن التمسك باملوروث والتراث الذي تحول مع الوقت إلى قدس مقدس وهو في حقيقته ما هو إال تراث بشري بحت له ما له وعليه ما عليه. التجديد مطلب حيوي للمسلمني أوال وقبل غيرهم ولن يكون للتجديد األثـر الحقيقي إال بشجاعة كاملة في مواجهة الحمل الثقيل والخاص من الكثير من الذي انتهت صاحيته الزمنية، ألن القرآن وحـده هو الــذي يصلح لكل زمان ومكان.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia