Okaz

مراكز الشرطة والتطوير

-

ألول مرة أمر بتجربة أن أكون ضحية سرقة، مع أنني باشرت كثيرا منها بحكم عملي، لكن دون أن أكـون عنصرا من عناصر الحدث، بـدأت هذه التجربة املثيرة عندما طـرق علي طـارق ليخبرني بـأن نافذة سيارتي قد هشمت، ونزلت ألرى الزجاج متناثرا في كل مكان، واملحزن عندما أخـبـرنـي الـسـائـق بــأنــه قــد تــرك الكمبيوتر داخـــل الــســيــ­ارة فــكــان سبب السرقة. على الفور وكــأي مواطن صالح قمت باالتصال على )999( ألبلغ عن جريمة سرقة وأخبروني أنهم سـوف يرسلون دوريــة للموقع، فأخذت كرسيًا وجلست على قارعة الطريق أنتظر قدوم الدورية وهي بالحقيقة لم تتأخر -فقط قرابة الساعة- وحضر أحـد رجــال األمــن وعاين مسرح الجريمة وسألني السؤال الشهير (هل تشك بأحد؟) وأجبته بالنفي ألني إنـسـان مسالم جــدا و(أبـــاري الـسـاس) كما يقول املثل الـنـجـدي، عندها أخبرني بأنه يتوجب علي أن أذهب إلى قسم الشرطة ويتم تقديم الباغ ورفع البصمات، وانتهت بذلك املقابلة التي لم تستغرق سوى دقيقتني فقط، وإلى اآلن ال أعلم الجدوى من تلك املقابلة. كنت في غاية االندهاش والصدمة؛ كيف يطلب مني أن أحرك السيارة التي تمثل مسرحا للجريمة ال يجوز العبث به قبل رفع األدلة الجنائية؟ وهـذا ما كـان يقوله لنا أساتذتنا في القانون الجنائي، ومـع صدمتي واندهاشي لم يكن أمامي إال أن أحرك مسرح الجريمة وأذهب إلى القسم ألبـلـغ، وهناك وجــدت أحـد األفــراد املختصني بتلقي الباغات وسردت له قصتي التي يبدو أنها لم تكن مثيرة بما يكفي لتغير مامح وجهه الجامدة، كنت أنتظر كلمة مـواسـاة مثل (الحمد لله على السامة) أو (بالحديد وال بك يا عبدالرحمن) أو أي عبارة من العبارات التي عادة ما نتبادلها في حاالت املصائب، إال أن املوظف كان مشغوال عن ذلك بسواك كان يشوص به فاه طوال الوقت. وبعد أن ضبط الباغ أخبرني بأنه يتوجب علي أن أذهـب إلى شرطة الصحافة لترفع البصمات هناك، فانصدمت واندهشت للمرة الثانية؛ كيف أتحرك بالسيارة ألذهب إلى األدلة الجنائية مع أنه يفترض أنها تأتي إلـي؟ هذا هو النظام، هذا ما أجابني به املوظف، وعندما سألته عن الضابط املناوب، فسألني عن سبب السؤال فأجبته بأنني أريـد أن أشتكي عن هـذه اإلجـــراء­ات، وكــان جوابه بكل بــرود بـأن الشكوى تقدم ملــديــر شــرطــة منطقة الـــريـــ­اض، ولـعـلـه يـعـلـم أنــنــي كــمــواطـ­ـن بـسـيـط من الصعوبة أن أصل إلى تلك املكاتب الكبيرة، عندها خرجت محبطًا جدًا، ألنني لم أكن سعيدا بتلك الخدمة على اإلطاق، وركبت سيارتي املهشمة ورجعت بها إلى مكان الجريمة. مثل هذه الجرائم ال تعني الشخص املجني عليه وإنما لها عاقة باألمن، ألنه في مثل هذه األحــداث ال بد أن يثار سـؤال: كيف تجرأ السارق بأن يقوم بكسر نافذة سيارة وسرقة ما بداخلها في مكان يعج بالناس؟! مراكز الشرط تحتاج إلـى تطوير ال يقتصر فقط على الجانب املادي، وإنـمـا يرتكز على الجانب البشري مـن حيث التأهيل والـتـدريـ­ب على معاملة مثل هـذه القضايا باحترافية، والتعاطي الجيد مع الجمهور الـذيـن ال يأتي أحـدهـم إلــى مركز الشرطة للنزهة، إنما دخلها لقضية تمس أمنه، إضافة إلى التساؤل عن تأخر تركيب كاميرات مراقبة في األحياء والشوارع كما هو موجود في كل مدن العالم. إنني على يقني بأن معالي الفريق عثمان املحرج مدير األمن العام مهتم جـدًا بالتطوير ويحب أن يستمع؛ لـذا كتبت قصتي وأنــا محظوظ ألن وجــدت منبرًا ألحكيها، مـع أن هـنـاك الكثير مــن الــنـاس لديهم حكايا مشابهة، لكنهم لم يجدوا مكانًا ليرووها، وهذه أهم وظائف القيادات اإلداريـــ­ـــــة بــــأن تــســتــم­ــع لــحــكــا­يــا الـــنـــا­س ومــنــهــ­ا يــتــتــب­ــعــون الخلل ليصلحوه.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia