Okaz

األمير... والشيخ!

-

كـــان الــلــقــ­اء األول الـــذي جـمـع بــن أمــيــر الــدرعــي­ــة مـحـمـد بــن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب في عـام 1157 والـعـبـار­ات املتبادلة بينهما، بمثابة الوثيقة التاريخية التي حددت مسار دعوة الشيخ وقيام الدولة السعودية في مرحلتها األولى ومراحلها األخرى املتعاقبة. واملـتـأمـ­ل لتلك الوثيقة، رغــم قصرها وبساطة لغتها، يــدرك أن الرجلن قسما بوضوح أدوارهما في بناء الدولة، الشيخ القائم على الدعوة ومفسرها واألمير إمامها وقائدها، ومن ما جاء في تلك الوثيقة الشهيرة بن األمير والشيخ والتي ذكـرهـا املــؤرخ ابــن غنام قــول األمـيـر«يـا شيخ إن هــذا ديــن الله ورسـولـه الــذي ال شك فيه، فأبشر بالنصرة لك وملا أمـرت به، والجهاد ملا خالف التوحيد، ولكن أريد أن أشترط عليك اثنتن: نحن إذا قمنا في نصرتك، والجهاد في سبيل الله، وفتح لنا ولك البلدان –أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا، والثانية أن لي على الدرعية قانونا آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول ال تأخذ منهم شيئا». فقال الشيخ: «أمـا األولــى، فابسط يـدك: الـدم بالدم والهدم بالهدم، وأما الثانية، فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ماهو خير منها». كما تعاهدا على جمع كلمة أهل نجد، ألن نجدا في ذلك الوقت لم تكن خاضعة إلمارة واحدة ينضوي تحت لوائها الجميع بل كانت مفككة األجزاء كل واحد أمير بلدته، وكل واحد يرى الزعيم في بردته. وأدى هذا التفرق بأهل نجد إلـى الفوضى واضـطـراب األمــن وسفك الـدمـاء، فعمل األمير والشيخ على جمع كلمتهم وتوحيد صفهم وعمال على دعوتهم إلـى الـديـن الصحيح، فـسـارا في دعوتهما: الشيخ بالحجة والبيان (لم يكن الشيخ من طالب السلطة واملال يقول ابن غنام «توفي الشيخ رحمه الله ولم يخلف دينارا وال درهما فلم يـوزع بن ورثته ماال ولم يقسم، بل كان عليه دين كثير، فأوفى الله عنه الجليل والحقير) واألمير يحميها ويدافع عنها بالسيف والسنان. ومما يسجله التاريخ بمداد من ذهب لهذه الوثيقة التاريخية بن األمير والشيخ، أنها نأت بنفسها عن العصبية القبلية املقيتة، يذكر الدكتور منير العجالني في كتابه تاريخ البالد السعودية الجزء األول الدولة السعودية األولـى ص 178 تحت عنوان: الشيخ والعصبية الجاهلية: يقول والـي الشام في تقرير عن دعـوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رفعه إلى السلطان العثماني: «ليس الشيخ محمد بن عبدالوهاب رئيس قبيلة وال صاحب عصبية قوية يحسب لها حساب»، ويعلق الدكتور العجالني على ذلك بقوله، وهذا كالم حق. فالشيخ لم يكن رئيس عشيرة وال صاحب عصبية وقد أكرمه الله بأن جعله إمام دعوة، يهتدي بها الناس جيال بعد جيل، فما كان له أن يوقظ في بني تميم حمية الجاهلية). لذلك وجـدت دعـوة الشيخ القبول واملناصرة في الجزيرة العربية وفي العديد من البالد اإلسالمية والعربية، خاصة من حكام الخليج العربي كحكام قطر األوائل من آل ثاني الكرام وحكام الشارقة من القواسم الكرام، ورغم سقوط الدولة السعودية األولـى والثانية إال أن أنصار الدعوة في تلك البلدان حملوا رايتها في بلدانهم من منطلق ديني إصالحي صرف بعيدا عن التوظيف السياسي أو القبلي. كما استمر أمراء الدولة السعودية وأئمة دعوتها رغم سقوط دولتهم في مرحلتها األولــى والثانية أوفياء لتلك الوثيقة التاريخية بن األمير والشيخ، مدافعن عن مبادئها، وقـد تجلى ذلـك في تأسيس الـدولـة السعودية الحديثة (اململكة العربية السعودية) في عام 1932 وتوحيد أقاليمها وقبائلها على يد املغفور له امللك عبدالعزيز تحت راية التوحيد، للمرة الثالثة في تاريخ الجزيرة العربية، وقد سار أبناؤه على نهجه من بعده. وكـمـا نعيد الفضل ألهـلـه بــأن نثني على مـا قــام بـه حـكـام الخليج األوائـــل من مناصرتهم لدعوة الشيخ، خاصة حكام قطر األوائــل من آل ثاني الكرام، فإننا نقف مذهولن من التوظيف السياسي والقبلي لدعوة الشيخ من قبل حكام قطر الحالين، في انقالب صريح وواضح على القيم واملبادئ التي كان عليها آباؤهم األولون، فمن يقرأ تاريخ األسرة الحاكمة في قطر فلن يجد أن أحدا من أمرائهم األوائل قد ادعى أن الشيخ محمد جده أو أن ربط بن مناصرتهم للشيخ ودعوته وبن كونهم ينحدرون من نفس القبيلة، ولم يذكر في تاريخ أسرة آل ثاني الكرام أن أحدا من أوائلهم أقام معلما في قطر باسم الشيخ، ولو أقام أحدهم في وقتها معلما باسم الشيخ فلن يستغرب ذلك منه كونهم أنصار دعوة ال مسيسن لها. فمن الصعب فهم أن يقيم أمير قطر مسجدا باسم الشيخ ويحج له األئمة من أصقاع األرض ليلقوا من على منبره خطبهم املنافية لدعوة الشيخ ومبادئها، لكن إذا عرف السبب بطل العجب! إنها رغبة األمير في أن يكتمل عقد التوظيف السياسي لدعوة الشيخ، فقناة الجزيرة كما أطلقوا عليها هي منبر من ال منبر لـه مـن سياسين ثـورجـيـن، كـذلـك منبر مسجد الشيخ، يـريـده األمـيـر أن يكون منبر من ال منبر له من الدعاة املسيسن. فشتان بن األمير والشيخ.. وبن األمير والشيخ!!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia