استلهام التجارب
نجاح تجربة إنسانية لدولة ما في أي مشروع تــعــلــيــمــي أو صــحــي أو اقــــتــــصــــادي.. ال يعني بالضرورة نجاح تلك التجربة في دولــة أخرى حــــني تــطــبــيــقــهــا. الــبــروجــمــاتــيــة -أي إخضاع النظرية للتطبيق- تفيد بأن نقل تجربة ما بكل حــذافــيــرهــا ومـمـيـزاتـهـا ومــحــاذيــرهــا كربونيا ملجتمع آخر ال يـؤدي لنفس النجاح أو تحقيق نفس النتائج. إسقاط التجربة العاملية الناجحة -في أي مجال كان- على الواقع املحلي ليس هو الطريق الصحيح لتحقيق النجاح أو تكراره. بــل مــا يــحــدث فــي مـعـظـم األحــيــان يــكــون عكس املأمول، فمجرد إسقاط التجارب -كمؤشر على العمل الـكـسـول- تـأتـي فـي الـغـالـب نتائجه غير دقيقة وغير محسوبة.. وغير محببة. فظروف املجتمعات البيئية وعاداته وثقافته االجتماعية تختلف من مجتمع آلخــر، وبالتالي، ما ينجح هناك -إلــى حـد كبير- لـن ينجح هنا؛ وستكون مفاجأة لو حدث. حني يطالب بعض ذوي االختصاص بتطبيق تـجـربـة عـاملـيـة محليا، فـهـم ال يـقـصـدون نقلها وتطبيقها كما هــي.. بـل يقصدون استلهامها، وتفكيك عـنـاصـر نـجـاحـهـا، ومـعـرفـة خطواتها املنطقية.. فهذا هو طريق النجاح الـذي يقتدى به. على سبيل املثال، عندما حاولت وزارة التعليم أن تتبنى تطبيق تجارب دول متقدمة في مجال الـتـعـلـيـم، لــم يـتـحـقـق الــنــجــاح الـتـعـلـيـمـي الذي كـانـت تـتـصـوره الــقــيــادات. ألن انـسـجـام الثقافة االجتماعية املحلية مختلف تماما عن الثقافة االجتماعية في املجتمع الــذي نجحت فيه تلك الـتـجـربـة. واملــؤشــرات كـانـت واضــحــة.. فتطبيق تجربة تعليمية تقوم على حرية الفكر وتقديس العلم لن تنجح في مجتمع يقوم أساس تعليمه على اختالف األفكار وأدلجتها. ما ينطبق على التعليم ينطبق أيضا على األدب والفن واالقتصاد.. وكل شؤون الحياة. الــذيــن يــتــحــدثــون عــن عـــدم نــجــاح رؤيــــة 2030 في بلدانهم، ال يحق لهم أن يطلقوا أحكاما عن نــجــاح الــرؤيــة مــن عــدمــه فــي الــســعــوديــة. فربما طبقوا الـرؤيـة حرفيا وليس استلهاما فجاءت النتائج على غير الرغبة. وهذا ليس عيب الرؤية ولكن مشكلة التطبيق. االستلهام الـهـادف إلــى املصاهرة بـني التجربة الـــنـــاجـــحـــة وآلــــيــــة تــطــبــيــقــهــا مــحــلــيــا هــــو سر االستفادة من تجارب العالم وتنوع حضاراته. فــاملــجــتــمــعــات ال تـــبـــدأ تـــجـــاربـــهـــا مــــن العدم، بـــل تـسـتـقـي الــتــجــارب اإلنــســانــيــة مـــن اآلخرين وتستلهم أسرار نجاحها.