من أغضب أردوغان ؟

ســجــلــت جــمــاعــة اإلخـــــــوان املــســلــمــن بــســقــوطــهــا خــســائــر عــظــيــمــة، ال يستوعبها إال من كـان يلهث حثيثا لتحقيق أهــداف تم وضعها منذ عــام 1928 على يــد حسن الـبـنـا، وحــن أثـمـر ذلــك الـلـهـاث عــن وصول الجماعة إلـى سـدة الحكم سقط (الجمل بما حمل).. وسقوط اإلخوان في مصر هو سقوط لتنظيم أممي تم زرعه ورعايته خالل عقود زمنية طويلة (أفـقـس) مالين مـن األتـبـاع الـذيـن ال يعرفون عـن الجماعة إال صورة واحدة، وهي صورة الجماعة الدعوية، بينما ظل الهدف األكبر (الخالفة اإلسالمية) والوسائل لتحقيق الهدف غائبة عن الكثيرين، فــإن كــانــت الــبــدايــة للجماعة هــي الــدعــوة فــخــالل مسيرتها امتزجت بــاملــبــادئ القطبية (نـسـبـة لسيد قـطـب) الـتـي تجيز اســتــخــدام العنف لـلـوصـول إلــى غـايـاتـهـا، وقــد اكتسبت جـمـاعـة اإلخــــوان صـفـة العنف بــدءا مـن مقتل (النقراشي بـاشـا)، وخــالل تـواجـدهـا السياسي حدثت لـهـا مـتـغـيـرات هـابـطـة وصــاعــدة ومــتــواريــة وفــق األوضــــاع السياسية (الداخلية والخارجية)، إال أن سقوط اإلخوان في مصر وتقويض أحالم الجماعة خيب آماال عريضة، بدءا من إقرار وتجسيد املخطط األمريكي (الـفـوضـى الـخـالقـة) وانـتـهـاء بخيبة أمــل األتــبــاع الــذيــن غـابـت عنهم حقائق كثيرة عن هذه الجماعة في أهدافها ووسائلها، وهذا ما يجعلنا نستوعب البكائية الطويلة التي ناح بها الكثيرون ويحق لهم ذلك؛ إذ إن السقوط كان كاشفا لكثير من الخبايا واملـؤامـرات التي انتهجتها الجماعة وذهبت بالحلم الكبير إلى مهب الريح. إال أن سقوط جماعة اإلخـوان سحب معه سقوط التيارات اإلسالمية الحركية وأفقدهم ثقة الشعوب العربية بـأن يكونوا قــادة املرحلة املقبلة، وأكثر املتضررين مــن هــذا الـسـقـوط كــانــت تـركـيـا بـقـيـادة رجــب طـيـب أردوغـــــان، فتركيا تقف بملف االنضمام لالتحاد األوروبــي منذ عام 1987 واستشعرت أنها تقدمت خطوة نحو هـذا الحلم في قمة (هلسنكي)، حن اعترف االتحاد بتركيا رسميا كمرشح للعضوية الكاملة، وظلت املفاوضات قائمة وكانت نظرة االتـحـاد في رفـض االنضمام التام لتركيا قائمة على االختالف الجوهري الديني، والــذي يشكل هوية مغايرة للغرب تماما، عند هـذا الحد التفت تركيا إلـى إرثها القديم فهي آخـر وريث للخالفة اإلسـالمـيـة، وألن أردوغـــان ينتمي لجماعة اإلخـــوان ويلتقي مـعـهـم فــي حـلـم الــخــالفــة اإلســالمــيــة، وعــنــدمــا كـــان يـتـجـدد فـتـح ملف انضمام تركيا إلى االتحاد األوروبي عبر مفاوضات سرية تلتزم فيها تركيا بضمان انقياد وقيادة دول الربيع العربي (كونها إخوانية) على أن تكون تركيا هي الراعية واملهندسة لتواصل الغرب مع الشرق، وقد حدث توقيت بن تنفيذ املخطط األمريكي بتقديم التيارات اإلسالمية للحكم وشهية تركيا في أن تكون ضمن دول أوروبــا أو قائدة العالم اإلسالمي والعربي، وإدخالهم في مخطط ملف الشرق األوسط الجديد، ومــع ارتــبــاك حـكـومـة اإلخــــوان فــي مـصـر وتخبطها واســتــيــاء الشعب املصري من إدارتها وتعبيرهم الصارخ عن ذلك االستياء بتجدد الثورة بانتفاضة 30 يونيو عندها سقط الحلم اإلخواني التركي، واستشعر أردوغان بضياع كل األحالم التي سعى إليها وأوشك أن يقطف الثمار، فاشتاط غضبه وسخر مقدرات بالده لشجب تصحيح الثورة املصرية وتأكيد أن ما حدث هو انقالب عسكري، وكاد ينجح في التأليب لوال أن اإلخـــوان أحبطوا جـهـوده مــرة أخــرى – بغباء سياسي مذهل - من خالل تخليهم عن السلمية، مستخدمن العنف كوسيلة احتجاج على إزاحــة الدكتور مـرسـي، مما أثــار ضغينة الشعب املـصـري وإصرارهم على االلتفاف حول الجيش ضاربن بتهديدات أمريكا وأوروبا - بقطع املعونات - عرض الحائط مقابل اإلبقاء على كرامة مصر والتخلص من الحكم اإلخواني. واإلخوان لم يغضبوا الشعب املصري بسوء إدارتهم – فحسب - بل أغضبوا أمريكا وأوروبـــا وأردوغـــان وجعلوا من ملف الـشـرق األوســـط الـجـديـد أوراقـــا متطايرة سيندم الـغـرب على اختيار اإلخــوان كمعبر لتنفيذ مخططهم، وهــذا ما يمثل نـدم أردوغـــان على ضياع فرصة انضمام تركيا لالتحاد األوروبــي، إذ تم إغـالق البابن اللذين كــان مسموحا الـدخـول منهما. لقد أسقط اإلخـــوان الكثير من أحالم مناصريهم والدول الراعية لهذه الجماعة اإلرهابية. وكـمـا سقطت الـجـمـاعـة جــاء الــوقــت لـسـقـوط الـــدول الـراعـيـة مـثـل قطر وغيرها، والسقوط هنا إلزام تلك الدول باملسؤولية الدولية وتقديمهم كــدول إرهابية أسهمت فـي تقويض دول عربية ورقـصـت على أشالء املوتى وعزفت أغانيها على مسامع املشردين والالجئن.