Okaz

‪°ÂdJ « wMF¹ ô ·d²‬

-

محبطة هــي صــحــوة الــصــبــ­اح فــي رمــضــان هــنــا.. عـنـدمـا تفتح عينيك وتشعر أنــك الوحيد فـي هــذا الـكـون الــذي يــؤدي شعيرة الصوم والعالم حولك بكامله مدير لك ظهره.. رغم كل ذلك قررت مـا قـررتـه األمريكية (اليزيبﺚ جيلبرت) عندما استيقظت ذات يــوم وقررت التمرد على نهاراتها وأسلوب حياتها ونمط روتينها اليومي، نوت السفر للتمتع باألكل في إيطاليا وأن تغذي روحها في الهند فتصلي ثم مضت أخيرًا لتبحﺚ عن الحب الذي يوازن بني الجسد والروح في جزيرة (بالي) لتدون كل ذلك في رائعتها (كل، صل، أحب) لتتحول الرواية بعد ذلك إلى فيلم سينمائي جميل تصدت له املمثلة املتألقة (جواليا روبتس) وحاز الفيلم على مشاهدة منقطعة النظير من الجمهور الناشد لروائع القصص.. اليوم قررت أن «أفطر.. وأصلي مع من أحــب» فلكي تمضي الحياة بيسر وفرحة ومــودة علينا بني الحني واﻵخــر أن نخرج بعﺾ الـوجـوة الطيبة من خزينة الـذاكـرة لنتأملها من جديد.. أنا كثيرا ما أفعل ذلك فالحياة في غاية التعقيد بل وتبدو أحيانًا كثيرة مثل عزلة في الزحام ومـا عليك إال البحﺚ عن من تحب لتقضي معه أجمل اللحظات.. من ضمن تلك الوجوه املحبة هنا في (كنساس ستي) وجه أحبه وأقدره (عبد الرقيب) أمريكي مسلم من أصول أفريقية كلما نلتقي يعيد صياغة أيامي، رجل دائمًا يعاملني كفرد من عائلته على مدى سنوات طويلة كلما أكون هنا ويضربني الشتات أخرجه من صندوق كنوزي ألستعيد معه لحظات مـن الحلم الـقـديـم.. نتحدث فـي كـل شــيء دون أي تحفظ نتذكر تلك اإليـمـاءا­ت املنسية والذكريات الطيبة نقضي معا أجمل األوقـــات.. هي عادة من عادتي أن أبحﺚ عن من أحــب.. أو هو تأكيد ملقولة من يتحسر على من يعز عليه بالفقد يدرك أهمية من تبقى له أو ربما هي سمات تعزية النفس أن نتمسك بمن تبقى ممن نحب.. اتصلت به مداعبا قلت له اخترت آخر الشهر ألدعو نفسي لﻺفطار عندك اليوم أشتقت ملحمد وخديجة وأم محمد.. أجابني مثل ينبوع صارخ.. في غاية البساطة.. في غاية املـودة.. السماء املنورة بنور ربي استجابت لدعائي، اليوم سألت الله أن يشاركنا إفطارنا اليوم من نحب وأنت من نحب، أهال بك يا فـؤاد.. مكاملة كانت لها رائحة الزهور انتهت بأن ترجلت من عربتي في حي متواضع يغط في الظالل البنفسجية.. كان املساء الهابط يـتـقـدم.. سـمـاء مـن قطيفة ترتجف يقطعها ضــوء مشاعل كهربائية بـسـيـطـة مـتـوسـطـة الــتــوهـ­ـج تـجـثـم فـــوق مــدخــل املــنــزل مـثـل قــشــرة مخملية.. استقبلني بدفء وحنني ال يقاوم.. (عبد الرقيب) دائم االبتسامة.. االبتسامة لغة عاملية تعرفها كل الشعوب وال تحتاج إلى مترجم أو ترجمة أن كل ابتسامة نتبسمها تعكس بدقة حقيقة وضعك النفسي وحالتك املزاجية ألنها ترجمة حقيقية ملا يدور بداخلك ويكشف أعماقك حتى لو أردت إخفاء ذلك.. قدم لنا تمرات وماء ثم انصرفنا للصالة، كنا أنا وزوجته وزميل مهندس في العمل وابنته وابنه.. ثم انتقلنا لغرفة الطعام (حجرة بسيطة).. كم هي حميمية هذه الحجرة الصغيرة.. سجادة تركية تحت الطاولة ورف يقابلنا عليه أحواض زهور في تربة سوداء كالشوكوالت­ه، الغرفة مطلية بزرقة بحرية كأنها فيروز أزرق، كـان (عبد الرقيب) يساعد زوجته املحجبة في ترتيب الطاولة بمودة وحياء.. كان يحضر القهوة ملن يحب أن يرتشفها ويقطع قالب الحلوى قائال إنها من صنع يد أم محمد ويمتدح إتقانها ويتبادل معها النظرات دون أن ينبسا ببنت شفة.. ليس ثمة ما هو طبيعي أكثر من ذلــك.. هـذا ورع املحبة املتبادل بني الـزوجـني الــذي أحبه وأقـدسـه.. هـذا ما أوصــى به اإلســالم.. طاقة عاطفية كان هو وزوجته يتمتعان بها.. تحس حسن الضيافة ينبع من بني ثنايا مالبسهما، كان يدعو قبل تناول الطعام بصوت خفيﺾ كأنه الهمس.. كنت مــأســورًا بـذلـك الــصــوت املــشــوب ببحة خفيفة وهــو يـدعـو دعـــاء جميال فـريـدًا مبتكرًا كـل مـحـوره التوسل لله أن ال يزيل نعمته، كــان يمطر لأعلى بهدوء.. الطعام كان بسيطًا طيب املذاق شهيًا كأنه أعد بمقدار.. كأن مقاديره حددت لستة أشخاص ال سابع لهم!! شاسع الفطور هنا واإلفطار على موائدنا الرمضانية.. مضى الوقت سمحا هنيئا بسيطا ثمينا، تمنيت أن تـدوم تلك اللحظات إلى األبد.. تركت املكان عائدا إلى منزلي وأنا أتساء ل إلى أي انحدار يمكن أن نرتفع لو تنازلنا عن البذخ واألبـهـة املصطنعة التي نمارسها في هذا الشهر.. متى نعترف أن ما نفعله مثير للسخرية وأنه آن األوان للتخلص منه.. فالزمن والشعوب يسخرون منا.. ألننا مشينا في طرق مشينة ال نهاية لها.. متى نعود بسطاء كما كنا.. فكل ما كانت الحياة أبسط كلما كانت أعمق.. الترف ال يعني الكرم والبساطة مجاز.. فكل ما خف وزن الحقيبة في الرحلة كلما كانت سعادتنا أكبر.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia