Okaz

تناقضات شيخ الدم

- عبده خال Abdookhal2@yahoo.com

في ظل التقلبات السياسية الراهنة تقبع املجتمعات العربية بني خطابني متنازعني، هما الخطاب السياسي والخطاب الديني، وكل منهما يستهدف جمع األتباع واملؤيدين وفـي هـذه املنافسة تكون خسائر الخطاب الديني أكـثـر وضــوحــا الخــتــاف تثمني املـشـاهـد للخطابني، فسقوط السياسي ال يعد فشا ذريعا؛ إذ إن السياسة حالة متغيرة ويمكن تكيف ذلك السقوط وتبريره مع مجريات تلك املتغيرات، بينما سقوط الخطاب الديني ال يتم التسامح معه كون النظرة للداعية املمتهن للسياسة نظرة طوباوية ال تقبل منه تلونات وخروقات وأالعيب السياسي. ومن نافلة القول إن موقف السياسي متغير تحكمه توازنات ورؤية تتأسس صرامتها في تسيير مصالح الدولة من أجل جني مكاسب وطنية ويكون تحركه الداخلي قائما على إيجاد آليات تفاعلية بني أفراد وأطياف مجتمعه والـتـعـام­ـل مــع جميع األطــيــا­ف والـــوقــ­ـوف معها فــي تحقيق رغـبـاتـهـ­ا؛ إذ إن تحركاته تكون متخففة من آحادية النظرة وال يحمل تفريقا عقائديا أو مذهبيا بـني أفـــراد املجتمع وهـدفـه هــدف متقلب وفــق ظرفية العملية السياسية، بينما خطاب رجل الدين السياسي يكون خطابا آحاديا يتحرك وفق منظومة فكرية محددة ال تقبل النقض أو االستبدال، كون الوعاء الذي يتحرك فيه يقدس قيما أخاقية ال يمكن اختراقها بالتلون أو االنتقال من قيمة أخاقية إلى قيمة أخاقية مقابلة على األقـل في ذهنية التابع لذلك الخطاب، ولهذا نشاهد سقوط رجــال ديـن اشتغلوا بالسياسة كموجهني، والـنـمـوذ­ج األبـــرز فـي هــذا املـجـال يمثله الـدكـتـور يوسف الـقـرضـاو­ي الذي كان عرابا لثورات الربيع العربي يساندها بالفتوى وجــواز الخروج على الحاكم حتى أنه تجرأ بفتوى هدر دم زعماء مسلمني كالقذافي وبشار األسد عانية ومن غير تحرز في مسألتني تعدان من جوهر معتقدات أهل السنة والجماعة، وهي عدم جواز الخروج على الحاكم والوقوف الصارم من سفك دم املسلم والتشديد في حرمة ذلك. ومع جريان املتغيرات السياسية كان خطاب الدكتور القرضاوي يتكشف عن جوهره اإلخواني، وهو جوهر جماعة سياسية وليس جوهر الدين. وألن السياسة متغيرة نجد أن من دخل مرتديا اللبوس الديني قد تورط في تلك املتغيرات، فاصطفاف التيارات اإلسامية السياسية قائم في األساس على محاربة العدو، وهـي الفكرة التي استفادت منها أمريكا في محاربة االتحاد السوفيتي وإسقاطه - في زمـن الحرب الـبـاردة - وعندما انكشفت اللعبة للتيارات اإلسامية استبدلت العدو بأمريكا والغرب وبالغت (هذه التيارات) في تكفير أي سياسي يستعني بالغرب املسيحي، وجميعنا يذكر ماذا حدث في الحرب ضد صدام بعد احتال الكويت وكيف تم تلوين العالم اإلسـامـي بكفرة ومؤمنني، وهــذا التصنيف كـان معتمدا على املوقف من االستعانة بالغرب، هذه الحدية من اآلخر (العدو الغربي) تغيرت تماما مع مقدم ثورات الربيع العربي، فالقرضاوي ذاته أيد تلك الثورات تأييدا يتنافى مع جوهر خطابه الديني؛ إذ كان أكثر املتحمسني لتدخل الناتو في ليبيا، ولـم يقف تحمسه عند هـذا الحد بل قــال: «لـو بعث محمد صلى الله عليه وسلم من جديد لوضع يده بيد الناتو». وقد أكد االستعانة بالعدو األول مرة أخرى شاكرا ألمريكا صنيعها حني قال في إحدى خطبه: (نشكر الواليات املتحدة األمريكية على تقديمها الساح للمقاتلني بقيمة 60 مليون دوالر، ونطلب املزيد). ونــذكــر منافحته عــن الـحـكـم اإلخـــوان­ـــي فــي تـركـيـا، وفـــي كــل الــحــاال­ت كان الدكتور القرضاوي يسير مع خطاب جماعته وليس مع جوهر الخطاب الديني الحق. وآخــر مواقفه كـان إصــدار فتوى بتحريم استجابة الشعب املصري لدعوة الــفــريـ­ـق أول عـبـدالـفـ­تـاح الـسـيـسـي لـلـتـظـاه­ـر الــيــوم لـتـفـويـض­ـه بالتصدي «لإلرهاب». وال يمكن ملـتـابـع فــتــوى الــدكــتـ­ـور الــقــرضـ­ـاوي إال اكـتـشـاف تـنـاقـضـا­تـه في استخدام الخطاب الديني املسيس، فكما أجــاز الـخـروج على الحاكم إبان الـثـورات العربية ملـاذا حـرم الخروج على الدكتور مرسي.. وقـد نجد العذر لتلونات خطاباته كون اإلخوان (جماعته) طرفا في كل الحاالت، فهم من خرج في تظاهرات مألت العواصم العربية رافضة إخراج صدام حسني بواسطة الغرب وهم من يطالبون الغرب اآلن بنصرة كل الثورات اإلخوانية..

**** علّي االعتراف أن هذه املقالة كتبت إبان الثورات العربية حينما كان صوت الدكتور يوسف القرضاوي يحرق الدنيا بمساندته لثورات اإلخوان في كل العالم العربي ويحرض على القتل وسفك الـدم، حينها أطلقت عليه شيخ الــدم، ولكن لم يكن الواقع راضيا عن نشر املقال؛ وألن الحق غـاب ها هو شيخ الــدم يقع فـي مصيدة داعـمـي اإلرهــــا­ب، وســوف أجــد نفسي مصدقا ملا كتبت قبل سقوط األقنعة.. لذلك سوف أحرص على نشر املقال كما هو (ليكون ابن وقته املاضوي) وابن وقته اآلن تصديقا ملا جاء في املقال فقط أغير العنوان من (تناقضات القرضاوي) إلى عنوان (تناقضات شيخ الدم القرضاوي).

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia