الفقراء في بيوتنا
نبحث في رمضان عن املحتاجن لنقدم لـهـم أنــــواع املــســاعــدة مــن صــدقــات مالية وعــيــنــيــة، فــهــو شــهــر الـــكـــرم واإلحساس بالحرمان والجوع والحاجة للتذكير باألقل حظًا منا في هذه الحياة. وأحيانا يتعذر علينا معرفة من هو املحتاج ومن هو األقل حاجة، وأحيانا ال نعرف أصال كــيــف نــتــوصــل ملــن رق بــه الــحــال لنعينه عــلــى شطف العيش، ولكن بحثنا ال يجب أن يطول، فأحيانا يكون املــحــتــاج بـيـنـنـا وفـــي بيوتنا، ومثال على هذا هو العاملون باملنازل. وأحيانا نكون نحن، ونــحــن مــن نـبـحـث دومـــا عمن يـسـتـحـق املــســاعــدة، سـبـبـا في مــنــع الــخــيــر عـــن الــفــقــيــر دون قصد منا، فكيف يكون ذلك؟ دعــيــت إلــى مــأدبــة أخــيــرا وكــانــت فـعـال ولـيـمـة باملعنى الحقيقي: تالل من الطعام جميل الشكل شهي الرائحة رائـــــع الــنــكــهــة. جـــبـــال مـــن األرز والـــلـــحـــوم والسلطات واملقبالت والحلويات واملخبوزات. أقبل املدعوون على الطعام، ورغم كبر كميته إال أن املالعق والشوك النشيطة الجائعة أسهمت في إنهائه ومسحه من الوجود. رأيت الخادمات واقفات في ركن يراقنب املنظر بحزن، ثم رأيتهن بالصدفة في املطبخ يقتسمن الباقي القليل من الطعام النظيف بينهن. واملـؤلـم في املـوضـوع هو أنني نظرت بعدها حولي ملن كن يأكلن من املدعوات، فرأيت أطباقهن ممتلئة بشتى أصناف الطعام الزائد عن حاجتهن، وضعنه في أطباقهن ثم تركنه! أحيانا ترى فطيرة كاملة أو قطعة سمبوسك كما هي متروكة في طبق وسط كميات من الطعام اآلخر. وأحيانا ترى قطعة كيك سليمة لم تمس ولكنها تلوثت بحلويات أخــــرى مــوضــوعــة فــي طــبــق ألــقــاه آكــلــه -حـيـنـمـا شبع - بــإهــمــال عـلـى إحـــدى الـــطـــاوالت، نـاهـيـك عــن كؤوس الــعــصــيــرات املـمـتـلـئـة لـحـافـتـهـا والــتــي تــركــت وعليها عـــالمـــات اســتــفــهــام أهـــي نـظـيـفـة أم مــســتــخــدمــة؟ وبال مبالغة كانت كمية الطعام املتروكة في األطباق أكبر مما ترك على البوفيه من طعام نظيف. فهل هذا حرام أم حـــالل؟ نسكب فــي أطـبـاقـنـا مــا يـزيـد عـلـى حاجتنا بمراحل فيختلط الطعام النظيف بالطعام الذي أكلنا منه ويصبح غير قابل ألن يأكله شخص آخر، فينتهي مـصـيـره إلــى سـلـة املــهــمــالت. فـمـن ستسمح لــه شهيته وكرامته -في األوضاع العادية- بأن يلتقط طعاما من طبق قد أكل منه؟ واملصيبة أنك ترى هذا املنظر بصفة دائــــــمــــــة فــــــي البوفيهات بــــــاملــــــطــــــاعــــــم والــــــحــــــفــــــالت املنزلية وكل مكان يعرض بـه الـطـعـام بكميات كبيرة حــــــرة يــــحــــددهــــا املتناول للطعام. ليتنا نفكر فـي طعامنا كهبة مـن الله ونفكر فـي حق غيرنا في هذه الهبة اإللهية التي حظينا بها دونا عن غيرنا بال شطارة وال أهلية تميزنا عن إخوان لنا في العالم - وفي بيوتنا حتى - يعانون من الحرمان. حفظ النعمة يا أصدقائي من واجباتنا كبشر متعلمن متنورين متقدمن حتى وإن لـم نفكر فـي حـق الغير فــي طــعــام الــلــه الــــذي رزقــنــا إيــــاه. إن كـــان هـــذا يحدث فــي رمــضــان شــهــر الــروحــانــيــات والــتــســامــي واإليثار واإلحساس بالحاجة والحرمان وقيمة اللقمة والرشفة من املياه فما بالك بباقي الشهور واألوقات. مــشــكــلــتــنــا أنـــنـــا نـــظـــن أن الـــحـــضـــارة والــــرقــــي تكمن فـــي مــجــوهــراتــنــا «وروالكـــســـاتـــنـــا» الــالمــعــة وثيابنا الرمضانية الفاخرة وعباء اتنا من البوتيكات املعروفة، ولكنها بصراحة أقرب من ذلك بكثير وأقل تكلفة. ولكنها بكل أسف سلعة ال تباع وال تشترى.