ابتسامات صفراء بلهاء !
الحـظـت مــن خــالل الــصــور الـتـي تنشر فــي الـصـحـف لــجــوالت بعض املــســؤولــن أن املـوظـفـن الـتـابـعـن واملــرافــقــن لـهـم فــي الـجـولـة تعلو محياهم ابتسامات عريضة أو مستعرضة حتى لـو بــدا على وجه املــســؤول الـجـائـل عــالمــات الـجـديـة واالهــتــمــام السـيـمـا أمـــام الــكــامــيــرات الصحفية والعدسات اإلعالمية، وقـد حاولت تفسير تلك االبتسامات التي ال معنى لها في نـظـري ألنـهـا ليست مـن نــوع التبسم الــذي يــراد بـه حسن االستقبال والتلطف مع اإلخــــوان وأصــحــاب الــحــاجــات بــل هــي ابـتـسـامـات مصطنعة ومــرســومــة وصفراء وباردة، فخرجت من تفسيري أن جوقة املبتسمن يحاولون بذلك التأكيد للمسؤول الــجــائــل أنــهــم فــرحــون مـــســـرورون بـجـولـتـه حــتــى لــو أمــطــرهــم بــمـالحــظــات تحمل التأنيب والتقريع وعدم الرضى؛ ألنهم يظنون أنهم إن لم يبتسموا فقد يفسر عدم تبسمهم بأنها احتجاج منهم على مالحظاته البناءة، وفي هذه الحالة فإنهم قد يدفعون ثمن عدم الرضى فقدانًا ملناصبهم وخسارة ملنافعهم فتكون ابتساماتهم الصفراء إحــدى وسـائـل الـدفـاع عـن املناصب واملكاسب السيما إن صاحبها كمية ال بأس بها من التزلف وأن كل شيء مرتبط ومرهون بالتوجيهات الصادرة لهم من سعادته، وأنه لوال تلك التوجيهات ملا عرفوا كيف يتصرفون ويتحركون وفي هذه الحالة فإن كان «األخ» من أصحاب الطاسات الخفيفة فإن رأسه سيكبر وسوف يقابل ابتساماتهم الصفراء بابتسامة واسعة تـدل على الرضى والـسـرور «وكأنه طفل أعادوه إلى أبويه»، أما إن كان سعادته من الراسخن في اإلدارة فإنه يتجاهل معزوفة املديح املمجوج ويرمق أصحاب االبتسامات الصفراء بنظرة فاحصة وكأنه يقول لهم:«هذه البهللة ما تمشي علي!»، ثم يقدم لهم ما لديه من مالحظات أو يثني على ما ملسه من إنجاز دون مبالغة أو انتقاص. وما ذكر ال يعني بأن تكون الجوالت التي يقوم بها املسؤولون بصحبة موظفيهم طبعها التجهم والتقطيب بل إن املراد أال يكون شعارها االبتسامات الصفراء التي تدل على تملق وهوان أصحابها وسعيهم الدؤوب لضمان رضى رئيسهم تمهيدًا لنيل عطاياه الوظيفية من ترقيات وميزات وانتدابات حتى لو كان أداؤهـم العمل على غير ما يرام، بل إن املسؤول الجاد الذي يشيع في جوالته برفقة موظفيه روح البساطة وعدم التكلف ويجعل حديثه معهم حديث أخ أكبر إلخوته ويتودد إليهم ويحثهم بالكلمة الطيبة على إحسان في عملهم والتفاني في أداء واجبهم وترطيب أجواء العمل الجافة بطرائف مؤدبة، مثل هذا املسؤول يكون عادة ناجحًا ومحبوبًا من موظفيه وقــادرًا على زرع الحماس في قلوبهم وإشعارهم جميعًا أن لـدى كل واحــد منهم عناصر نجاح وتوفيق يجب عليه اكتشافها وتنميتها حتى يخدم عمله ويكون موضع تقدير وثقة رؤسائه بما يحقق له ما يسعى إليه من طموحات جادة. ولـكـن الـنـقـد مـوجـه إلــى االبـتـسـامـات الـبـلـهـاء الـصـفـراء الـتـي تــرافــق جـــوالت بعض املــســؤولــن ألنــهــا تــدل عـلـى بـــالدة حــس وتــزلــف وال تعكس أبـــدًا مـشـاعـر املتزلفن «الحقيقية» نحو ذلك املسؤول !