مالمسة هموم املواطن
جلستا مجلس الشورى في أول رمضان ومنتصفه كـــانـــتـــا مــــن أفـــضـــل الـــجـــلـــســـات وخـــرجـــتـــا بـــــأروع الــتــوصــيــات، يــبــدو كـأنـمـا قــد حـلـت عليهما بركة رمــضــان. أستعيد معكم بعضا منها ثــم نتراءى كيف يمكن تحويلها من توصيات إلى قرارات. في الجلسة األولى حظيت «نزاهة» بمعظم التوصيات: طالبها بـدراسـة واقــع الفساد في القطاع الخاص وتأثيره على القطاع العام، والعمل مع وزارة العمل والتنمية االجتماعية إلنشاء مؤسسات وجمعيات غير حكومية ملكافحة الفساد، ومع وزارة التعليم لتضمني املناهج مبادئ النزاهة، ووزارة الشؤون اإلسالمية لتضمينه في الخطب ودروس املساجد، وطــالــب الـهـيـئـة بــرفــع مـكـانـة املـمـلـكـة عـلـى مؤشر «مدركات الفساد» ملنظمة الشفافية الدولية. الجلسة الـثـانـيـة كــان الـــدور عـلـى ديـــوان املراقبة العامة، طالبه بمراجعة إطار حوكمة رؤية ،2030 اتخاذ اإلجراء ات النظامية ملن تنسب لهم مخالفات مالية وإداريــة، وضع سقف مالي لتعاقد الجهات الحكومية مع املكاتب االستشارية، وربما أهمها املــطــالــبــة بــاعــتــمــاد ضـــوابـــط عــلــى الخصخصة. (عــكــاظ، عـــددا 18و12 رمــضــان الــجــاري) للوهلة األولـــى يـبـدو لـك أن املجلس يـحـاول تركيب أطقم أســنــان لـنـزاهـة وديــــوان املـراقـبـة ليتمكنا مــن أداء مهامهما بكفاء ة، لكنك تعجب بداية كيف ال يكون لـهـاتـني الـجـهـتـني الـرقـابـيـتـني هـــذه الصالحيات، والعجب األكـبـر أن تـبـادر إحـداهـمـا، نـزاهـة، بنفي الحاجة للتشهير بالفاسد، وتدفع أنه عقاب متعد، كأنما نزاهة منشأة في دولة أخرى ال نعرفها، وإال كيف تشهر وزارة تجارتنا ووزارة داخليتنا، بل وحتى محاكمنا بالفسدة، ونقرأ إعالناتهم عنهم في صحفنا املحلية؟ تأثير فساد القطاع الخاص على القطاع العام بابه مــعــروف، املــقــاوالت والــشــراء الـحـكـومـي، سينتهي بــــــدون تـــوصـــيـــات، بــمــجــرد الــتــحــكــم بصنبوره، املطالبة بجمعيات غير حكومية يبدو أن الوزارة لها مـوقـف مـنـه، كــان لـي شــرف التقديم مـع زمالء نبالء لترخيص جمعية أهلية ملساعدة نزاهة، فتاه الطلب في ملفات الوزارة برغم تأييد محافظ نزاهة الــســابــق لــه ومــوافــقــة وزيـــر الــشــؤون االجتماعية السابق شفهيا عليه. أما تضمني املناهج الدراسية وخطب املساجد بمبادئ الـنـزاهـة، فهي تحصيل حـاصـل، مناهجنا وخـطـب مساجدنا مليئة بها، وإنما يزع الله بالسلطان ما ال يزع بالقرآن، ورفع مكانة اململكة للمرتبة الالئقة على مؤشر مدركات الفساد، يعتمد على حيوية هيئات الرقابة وقوة صالحياتها.
أريـــــــــد أن أخـــــتـــــم بـــتـــوصـــيـــة اعــــتــــمــــاد ضوابط لــلــخــصــخــصــة، فــمــع هــــذا االنـــفـــتـــاح الــكــبــيــر على التحول للقطاع الخاص، يصبح ملحا وضع هذه الـضـوابـط، وهـنـا لـن نعيد اخــتــراع العجلة، فهذه الضوابط معروفة عامليا وتحدد نسبتها طبيعة اقـتـصـاد كــل بـلـد ومـسـتـوى مــدركــات الـفـسـاد فيه، بل تطبقها حتى الـدول التي تتدنى نسبة الفساد فيها، حماية للمواطن وحـمـايـة القـتـصـاد البلد. جميع هذه التوصيات بحت أصـوات كتاب الرأي وهـــم يــدلــون بــهــا، أن تـصـل ملـجـلـس الـــشـــورى أمر حسن، أن تمر بسرعة معقولة من مجلس الخبراء أمر أحسن، أما األفضل فأن تصل مستوفاة شروط املوافقة إلى مجلس الوزراء، لتتحول من توصيات رغبوية آملة إلى قرارات تنفيذية فاعلة.