ملاذا يطرح مقاطعو قطر «اجلزيرة» ضمن مطالبهم؟

كشف وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني يوم أمس األول من الدوحة أن طرح موضوع قناة الجزيرة غير قابل للتفاوض في مطالب السعودية واإلمارات والبحرين ومصر، الفتا إلـى أن ذلـك شـأن داخـلـي، على حد وصفه. وكانت تسجيالت هاتفية تعود إلى العام ،2011 تم الكشف عـنـهـا مـطـلـع هـــذا األســـبـــوع، بــن مـسـتـشـار األمــيــر القطري حمد بن خليفة العطية، والبحريني املتهم بجرائم إرهابية حــســن عــلــي مـحـمـد جـمـعـة ســلــطــان، قــد أظــهــرت املستشار القطري العطية وهو يعرض على جمعة استعداد الجزيرة الستضافة أي من رمــوز الـحـراك البحريني، على أن يزوده األخير (جمعة) بمصدر اتصال يمدهم باملعلومات من أرض الحدث ليتم بثها على القناة. حمد العطية: مستشار سياسي أم معد في قناة الجزيرة؟! ومع مثال التسريبات أعـاله، بدا املسؤول الرسمي في حكومة قطر واملستشار السياسي العطية كما لو كان يقوم بوظيفة املعد في تنسيق ظهور الضيوف على الـجـزيـرة واخـتـيـار املــحــاور. وهـنـا يحضر ســـؤال مـهـم: ملـــاذا تصر الدول املقاطعة على طرح قناة الجزيرة ضمن مطالبها؟ يــشــرح عــرض املـسـتـشـار الـسـيـاسـي بـتـقـديـم خــدمــات الــجــزيــرة إلــى املعارضن للحكومة البحرينية الكثير عن سبب إصرار الدول املقاطعة على طرح موضوع الجزيرة، وربما ما موضوع تسريبات البحرين هذه، سوى رأس الجليد، وحلقة في سلسلة طويلة من توظيف الحكومة القطرية للجزيرة في الصراعات التي تجتاح املنطقة. لخص املستشار القطري بعرضه خدمات الجزيرة، القلق الذي ينتاب الــدول املقاطعة حـول خطورة القناة على أمنها القومي، إذ إن حديث العطية وهو املسؤول الرسمي والرجل السياسي في حكومة قطر، وهو يعرض قدرته على تقديم الجزيرة كمنبر للمعارضة، يمكن االسـتـدالل به على رؤية الدول املقاطعة للجزيرة، التي ال تبدو لهم كيانا إعالميا أو مؤسسة صحفية تنشر ما ال تريده هذه الـدول، بل تراها كتهديد حقيقي وكبير لألمن القومي، منخرطة وفاعلة في الصراع، وتنشط على األرض لتؤدي أدوارا سياسية تخدم أجندة خاصة ليس لها أي عالقة بقواعد العمل الصحفي. ويعزز هذا التفسير، عـــدم اتــخــاذ الــــدول املـقـاطـعـة أي مــوقــف تــجــاه عـــدد مــن الــقــنــوات واملؤسسات اإلعالمية العربية التي تعج بكثير من النقد وأحيانا بالهجوم ضد السعودية واإلمـــــارات ومــصــر والــبــحــريــن. واملــتــابــع لـقـنـاة بــي بــي سي عـربـي، أو فـرانـس 42، أو حتى روسـيـا الـيـوم، سيجد أن ما تطرحه هذه املؤسسات بحق الدول املقاطعة يفوق في جرأته وحدته ما تطرحه الجزيرة. وكـــان الـسـفـيـر اإلمـــاراتـــي فــي واشـنـطـن يــوســف العتيبة قد عــبــر فــي مـقـالـه الـــذي نــشــره أخــيــرا بصحيفة وول ستريت جــورنــال عــن املــوقــع الـــذي تنطلق مـنـه الـــدول املـقـاطـعـة في موقفها تجاه الجزيرة، عندما عرض لحديث وزيـر الدفاع األمريكي السابق روبـرت قيتس الـذي نقل عن قائد القوات األمريكية السابق في الشرق األوسط الجنرال جوني أبي زيد قوله بأنه «على قناعة بأن الجزيرة تقوم بأكثر من مجرد التغطية اإلعالمية، إلى تزويد املقاتلن ضد الجيش األمريكي باملعلومات»؛ في إشارة إلى أن منسوبيها يستغلون الغطاء الصحفي لالنخراط في الصراع على األرض. وبعد احتفاظها على مـدى مسيرتها بما يشبه الحق الحصري في بث أي ظهور أو تصريح لرموز الحركات املتطرفة، ابـتـداء بزعيم تنظيم القاعدة ومساعده الـظـواهـري، مثلت حـرب الـواليـات املتحدة في أفغانستان تحوال مهما على صعيد التكهنات حــول نــوع نشاط الـجـزيـرة؛ إذ كانت الجزيرة هي املؤسسة اإلعالمية الوحيدة التي تبث من مواقع لم يكن يتواجد بها مراسلون ملؤسسات إعالمية أخــرى، حتى باتت املصدر الوحيد الـذي بدأت كـبـريـات الصحف والـقـنـوات العاملية تنقل عـنـه، األمــر الــذي عــزاه مراقبون سياسيون إلى احتفاظ القناة بعالقات جيدة في أوساط القاعدة وطالبان ما منحها هذه امليزة النسبية على سواها. وبعيد بدء عالمات انهيار مشروع اإلخـــوان املسلمن فـي عـدد مـن دول مـا يسمى بالربيع العربي ال سيما في مصر، تقدمت القناة على مستوى االستقطاب السياسي بمراحل أكبر من ذي قبل، خصوصا مع الجزيرة مباشر مصر التي تحولت إلى ما يشبه منبرا خاصا بحزب الحرية والعدالة املمثل لجماعة اإلخوان، على نحو تأكد لعدد من دول املنطقة خطورة الدور الذي تقوم به القناة على أمنها القومي، وهو الذي ربما قررت الدول املقاطعة حسمه نهائيا باإلصرار على طرح موضوع الجزيرة ضمن مطالبها.