Okaz

عيدي لن يعود

- منصور صالح الزامل - مؤسس منظومة جدة وأيامنا الحلوة

يا عيد، بأي حال ستعود؟ الفرحة فيك سنة وإحياؤك واجب شرعي قبل أن يكون اجتماعيا، ولكن أداء الواجب ربما ال يتحقق منه املأمول في كثير من األحيان، حتى في مظاهر الفرح، فالعيد نعم سيعود ولكن عيدي لن يعود. ورغم أنني بمشيئة الله سأحتفل مع زوجتي وأبنائي وزوجاتهم، وأسرتي الكبيرة، سأفرح قطعًا، وسأكون سعيدا بينهم ومعهم نحيي هــذه الـسـنـة العظيمة، ولـكـن عـيـدي سيظل ناقصًا، فعيدي يتناقص كل عام منذ أكثر من خمسة عقود.. فما خزنته الذاكرة من مشاهد عميقة وراسـخـة سيطغى بكل قـوة على عيد اليوم في شمال جـدة والحي الراقي الذي أسكنه نعم لم تعد كما كنت يا عيد، فالعيد بالنسبة لي هو «سروال السنة» املطرزة أطرافه و«الفنيلة العسكري» والثوب الجديد الناصع البياض الذي لم أكن أراه إال صبيحة العيد و«الكبك» وأزارير «القرماتيز» الفضية و«الكندرة» السوداء «اللميع» والشراب األسود لنصف الساق، ويسبق كل هذا «ترويشة» في «بيت املا» من سطل «تنك» تمت تعبئته من «السقا» فجرًا ثم تم تسخينه على «الدافور» سلفًا يسكب علي «بمغراف» ومن ثم أجفف نفسي «بمنشفة» رسمت على أطرافها الورود. العيد سيعود ولكن أنا لن أعود ألن أمي لن «تليفني» بالصابون املكعب ولن أرى أخي إبراهيم املحمرة عيناه يجفف نفسه أمامي ويحذرني من برودة املاء، لن أرى أبويا (جدي) عبدالرحمن وهو يخرج علينا من «الدهليز» ليضع في جيبي األمامي خمسة ريــاالت قبل أن يصحبني وإخــوانــ­ي للصالة.. نعم لـن أشــم رائـحـة البيض املقلي الذي كانت تجهزه أمي (جدتي) موضي ولن أرى سفرة «النواشف» تتوسط «الكشك» (املجلس)، لن تعود تلك األصــوات جـراء حركة «املراجيح» الخشبية في «الكدوة» و«العيدروس» فهي اليوم بال أثر، التراب لن يلتصق بأطراف ثوبي ولن أسمع أصوات باعة الحلوى ولن أرى أنوار األضواء على بسطاتهم في املساء. العيد بالنسبة لي هو حارة املظلوم في الـدور الثالث من بيت جد والدتي ألمها الشيخ إبراهيم حمد الصنيع وفي جناح جدي ألمي الشيخ عبدالرحمن السليمان الهويش وجــدتــي مــوضــي إبــراهــي­ــم الـصـنـيـع، الـعـيـد هــو بـــراد شــاهــي «الـتـلـقـي­ـمـة» وصحن «الدقة» وطعم الزيتون الغارق بالزيت والفول املشبع بالسمن البلدي و«شابورة» و«شريك» مخبز الصعيدي، العيد تلفزيون أبيض وأسود في «الخارجة» (الغرفة غير املسقوفة) وحالوة «البقرة والعروسة والكوتشينه والبرجون».. العيد «عيال الحارة» حامد ومحسن العيد عم علي باواهاب محاسب جدي وأمي «حوه» (حواء) طاهية األسرة الكبيرة، العيد جلسة على «حنبل» مخطط أزرق وأحمر وتكاية قش أبو طير.. عيد اليوم رغم أنني سأحتفل به تأسيًا بسنة نبينا عليه أفضل الصلوات والتسليم إال أنــه يظل ناقصًا، فشوقي يدفعني أليــام مضت بما فيها مـن صفاء ونقاء وبساطة وعفوية، أيام ذهبت وتركت فيها أناسًا عظامًا لن يعودوا، عيدي مشاعر طفل يرى أمه بشعرها «املنكوش» و«كرتتها» املبتلة، فهي آخر من يتجهز يوم العيد، فقد منحتني وإبراهيم ومحمد إخواني األولوية في «التشييك» وتعبت وأرهقت هي على «ترويشنا» بكل سعادة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia