األنانية شر البلية
أنـهـي رمــضــان بـهـذا املــوضــوع ألن الـلـه قــد أودع حــب الـــذات في اإلنسان، حيث إنه عن طريقها يحمي نفسه ويخاف على حياته، ولــكــن حـيـنـمـا يـطـلـق الــعــنــان لــهــذه الــغــريــزة لــتــوجــه شخصيته وعالقته باآلخرين فإنه ينتقل بنفسه من هذا املفهوم الفطري إلى مفهوم األنانية، هذا املرض العضال الذي يفوق خطر كل غريزة ألنــه يـسـتـخـدم بقية الــغــرائــز إلشــبــاع متطلباته، وجـــاء اإلسالم الستئصال هذا املرض أو ترويضه في إطار شرعي، حيث قال عليه الصالة والسالم عن أنـس ابـن مالك: ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه. فاألنانية أن يخص اإلنسان نفسه باملنافع أيا كانت، من أموال، ومصالح دنيوية، وغير ذلك، فيستأثر بذلك لنفسه، ويمنعه عن أخيه. إن أكبر مشكلة تعانيها البشرية تبدأ في عالم الفرد، عندما يغلب اإلنسان مصلحته على مصلحة اآلخـريـن ومهما كـان الثمن، وهــذا هو تعريف األنانية الــذي ينطلق من األنــا. إن أسباب األنانية كثيرة وأبـرزهـا يعود إلى التربية الخاطئة، ومن األمثلة القسوة على األبناء بالضرب والتأنيب والتحقير وحــرمــان الطفل مـن األشــيــاء الـتـي يحبها، أو يـراهـا عند اآلخــريــن، وعــدم تعويد األبـنـاء على التسامح في ما بينهم، وتعويدهم على االنتقام، وعالقة الوالدين بعضهما بــبــعــض، بـحـيـث ال يــســود بـيـنـهـمـا روح الــتــســامــح والتغاضي، والــتــمــيــيــز بـــن األبـــنـــاء فـــي املــعــامــلــة. هـــذه األســالــيــب التربوية الـخـاطـئـة تـؤثـر عـلـى سلوكياتنا مستقبال، فـإنـهـا إن لــم تصنع إنسانا أنانيا فإنها على أقل األحوال ستصنع عند هذا اإلنسان القابلية للتخلق بهذا الخلق، حب الدنيا والشهوات وغياب الوازع الديني أو ضعفه. ومن مظاهر األنانية التعصب، حيث يتعصب الشخص األناني آلرائه وأفكاره وجماعته، ويدخل تحت األنانية أولئك املوظفون الذين يتأخرون عن أعمالهم، ويضيعون شيئا من الوقت املطلوب منهم واملفروض عليهم دون أن يستعملوه في ما يعود على الناس بالخير والفائدة، فهو ال يحب أن يخصم شيء من راتبه؛ ولكنه ال يبالي إن ضيع شيئًا من الوقت املفروض عليه دون أن يصرفه في ما يعود على الناس بالخير. والخلق املذموم اليوم هو األثرة، واألثرة بالتعبير املتداول هي األنانية، ال يقال: أناني، بل يقال: يحب األثـرة، يؤثر نفسه على من حوله. من أدق تعريفات األثرة أن يختص اإلنسان، أو أن يخص اإلنسان نفسه أو أتباعه باملنافع من أمــوال ومصالح دنيوية، ويستأثر بذلك فيحجبه عمن له فيه نصيب، أو من هو أولــى بـه، منافع، مـكـاسـب، مــراكــز، مكتسبات، مــيــزات، خصائص يخصها لنفسه وملن حوله، ويستحقها آخرون، أو هي من حق اآلخرين، هذه هي األثرة. إذا شاعت األثرة في مجتمع تفتت، وفقد تماسكه، تسعون باملئة من ثروات األرض بيد عشرة باملئة من سكان األرض، عشرة باملئة ينفقون نفقات تفوق حد الخيال، وتسعون باملئة يعانون مــن ألــــوان الــبــؤس والــفــقــر والــقــهــر، واملــــرض والــجــهــل والجوع. الحقيقة أنه ما لم تكن هناك قواعد موضوعية في إعطاء املكاسب ينهار املجتمع. أنت حينما تؤثر منفعة إلنسان ال يستحقها أو إلنسان ترجو منه الخير، وتخاف منه الشر، وتمنعها من إنسان هو أحق بها فقد وقعت في خطر كبير، بل األنانية (األثرة) شر البلية. يقول الحكيم: عند الشدة تعرف األشداء من األناء.
للتواصل (( فاكس 0126721108 ))