دروس قصر الصفا
كثير من البلدان كانت تتشدق بالتداول السلمي للسلطة اســتــنــادًا إلــى الـديـمـوقـراطـيـة الـتـي تلهج بـهـا لـيـل نهار، وتصر على تعليمها لنا -نحن البلدان البدوية املتخلفة الرجعية كما كـانـوا يصفوننا- وانتظرنا هــذا التداول الـسـلـمـي حـقـبـًا طــويــلــة فــلــم نــر غــيــر االســتــبــداد والقمع والـدكـتـاتـوريـة البغيضة وأنــهــار الــدمــاء الـتـي تسيل إذا ما حاول مخدوع أن يصدق خرافة ذلك التداول السلمي، ويـتـطـاول بحلم املـشـاركـة فـي العمل السياسي املشروع لـلـمـنـافـسـة الــديــمــوقــراطــيــة فـــي الـــوصـــول إلــــى مؤسسة الحكم. ولطاملا سمعنا أشد البذاءات التي وصمت بها امللكيات الــعــربــيــة ومــــا هـــو فـــي حــكــمــهــا مـــن إمــــــــارات، مـــن حقبة الـخـمـسـيـنـات فــي الــقــرن املــاضــي حـتـى انــطــاق الثورات الــعــربــيــة األخــــيــــرة. كـــانـــوا يــســتــخــدمــون أقـــســـى وأبشع األلفاظ لتوصيف اململكة وبقية الـدول املشابهة لها في نظام حكمها، ولكن هـل يمكن أن نسأل اآلن كيف تقوم ثــــورات فــي جــمــهــوريــات، وكــيــف تـصـر شــعــوب امللكيات على استمرار أنظمتها وحكامها؟. ببساطة ألنها كانت استغفاال للشعوب واسـتـبـدادا لها تحت الفتة شعارات رنـانـة بـراقـة كـاذبـة، ليست سـوى تكريس لاستبداد في أبشع صوره. اآلن نــود أن نــقــول لـفـلـول تـلـك املـرحـلـة والــذيــن مــا زالوا يرضعون أوبئتها التي سممت الشعوب وأسالت دماء ها، نريد أن نـقـول: تـوالـى ملوك على وطننا، وأولــيــاء عهد، في ظروف مختلفة، ولم تنزف قطرة دم، ولم يدخل أحد معتقا، ولم يتحول الشعب إلى وقود لجنون الكراسي. هناك أخاقيات وشيم ومسؤولية وصدق ووفاء وارتباط عضوي نزيه بني مؤسسة الحكم والشعب والوطن، وهناك أســــرة حـاكـمـة ال يـتـربـص كـبـيـرهـا بـصـغـيـرهـا وال يعق صغيرها كبيرها، تتوخى مصلحة الوطن كقيمة عليا وتختار لها من تراه األصلح بحكم املرحلة والظروف. يــا مــن كنتم تــدعــون تعليمنا حـكـم األوطــــان، نـحـن اآلن نريد أن نقول لكم تعلموا من دروس قصر الصفا في مكة املكرمة يوم األربعاء املاضي، تعلموا كيف تأسست دولة ثم بلغت الـذرى من عهد ملك إلى آخر دون رصاصة وال قطرة دم.