Okaz

عن الهاشميني في اليمن

- مصطفى النعمان كاتب يمني وسفير سابق mustapha.noman@gmail.com

ال خاف أن املرء ال يختار انتماءه األسري، وال اختاف عــلــى أن روابــــطـ­ـــه الــعــائـ­ـلــيــة ال تــعــنــي حــكــمــًا قناعاته بتاريخها وتـصـرفـات­ـهـا، وبـاملـقـا­بـل لـيـس منطقيا وال مقبوال الحكم بالتعميم على أبنائها دون تمييز وال وعــي، ومــن هنا يفزع اإلنـسـان مـن كـم الحقد والكراهية الــذي يواجهه املنتمون لألسر الهاشمية في اليمن، لذا فمن الواجب على كل عاقل أن يضع خطا فاصا واضحا بني الفعل السياسي والعاقة املرتبطة بالوراثة. حــدث أول تغيير قــســري باليمن فــي 26 سبتمبر 1962 مـوجـهـا ضد أســرة حميد الــديــن على وجــه الـخـصـوص ولـيـس هنا املــجــال للحديث عن أسباب تلك الحركة، لكن من املهم التأكيد على أن كثيرا من األسر الهاشمية رحبت بالحدث وشارك كثير من أفرادها في الدفاع عن النظام الجمهوري الوليد من منطلق قناعة بضرورة التغيير وتجاوز ما يزيد على قرون من احتكار الحكم في طبقة اجتماعية واحدة كانت ترى أنها األحــق واألجــدر بتولي القيادة والــريــا­دة، لكن نقطة ضعفها األساسية أنها كانت تستند إلى االنتماء التاريخي الجيني العالق بسالة محددة رأت أنها صاحبة الفضل ومستوجبة الطاعة. أحـدث التغيير في 1962 انتقاال في أسلوب التفكير عند الطبقة التي تولت الحكم بـأن أي إنـسـان يمني طبيعي يمكنه تولي زمــام القيادة، وهكذا انتقلت الرئاسة من املشير عبدالله السال أول رئيس من خارج الطبقة الهاشمية 1962( - )1967 إلـى القاضي عبدالرحمن األرياني )1974-1967( ثم الشهيد إبراهيم الحمدي 1974( - )1977 ثم الرئيس الــراحــل أحـمـد الغشمي 1977( - )1978 وبـعـده الـرئـيـس الـسـابـق علـي عبدالله صالح ‪)2012 -1978(‬ وأخيرا الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي 2012( إلى يومنا هذا)، ولم تكن املسألة معقدة في اليمن الجنوبي ألن طبيعة املجتمع كانت مختلفة، ولـم تكن الـفـوارق الطبقية واضحة املعالم وال شديدة التأثير. شارك العديد من أبناء العائات الهاشمية في مفاصل الحكم، ولم يكن هناك شعور بالتميز عند أغلبهم وحــدث تـداخـل عائلي مـا كــان واردا مـن قـبـل، وأوشـــك الـنـاس على نسيان وجــود مجتمع طبقي فـي اليمن، وكــان االنتماء إلـى أصــول هاشمية مجرد صفة ال تستدعي الكثير من التوقف عندها، لكن األمر اختلف واستعاد التاريخ حركته املاضية بعد اقتحام الحوثيني العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 ثم استكمال فصول االنقاب في 20 يناير 2015 باعتقال رئيس الدولة، وفي هذين التاريخني ارتكب الحوثيون جرما في حق الباد وفي حق أنفسهم وفي حق الهاشميني اليمنيني. كان التصور السطحي عند الحوثيني أنهم تمكنوا من استعادة سلطة توهموا أنها انتزعت منهم ظلما وعـدوانـا وقـامـوا بحركة تعبئة ضد مسار التطور التاريخي الطبيعي، وحــاولــو­ا قسر املجتمع على قبول مفهومهم للحكم وأحقيتهم فيه، وأنهم جاء وا إلنقاذ اليمنيني واستعادة إدارة الــدولــة بــإشــراف­ــهــم، وحــصــروا كــل مــواقــع املـسـؤولـ­يـة فــي املنتمني لحركتهم مناطقيا وسالة، وكان هذا توجها أصاب خطابهم السياسي فـي مقتل، وأظـهـر عقم تفكيرهم وانــســدا­د أفقهم الوطني واالجتماعي فأصبحوا في مواجهة مع بقية الوطن، ولم يتمكنوا من إقناع املواطنني بصواب ما يدعون الدفاع عنه، ومن املحزن أن كثيرا من الذين دافعوا عـن مظلوميتهم - وأنــا واحــد منهم - تـجـاه مـا تـعـرضـوا لـه مـن إهمال واســتــبـ­ـعــاد وإنــكــار لـحـقـوقـه­ـم املــدنــي­ــة، فـجـعـوا بـمـمـارسـ­اتـهـم القاسية والفظة تجاه الذين يختلفون معهم، ومارسوا قمعا غير مسبوق ضد اآلخر املختلف؛ بدءا من تفجير املنازل إلى االعتقاالت غير املبررة وغير القانونية والتعذيب والقهر ملعارضيهم، وأتبعوا ذلــك بمنسوب غير مسبوق من الفساد ينفي عنهم كل شعارات الفضيلة والترفع، وواصلوا إنــكــار أخطائهم وخـطـايـاه­ـم الـتـي دفـعـت الــبــاد نحو تـمـزق اجتماعي ومذهبي ستحتاج إلى أجيال عديدة للخروج من آثاره. على الحوثيني إعـادة قـراءة التاريخ بتفاصيله والتوقف قليا أمام ما يجري، وأن يـدرك قـادة حركتهم أنهم ظلموا انفسهم وأخطأوا في حق الوطن، وأنهم إذا استمروا في نهجهم دون مراجعة إيجابية سيدفعون ثمنا باهظا جراء األحقاد التي ولدتها تصرفاتهم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia