ابتسم من فضلك
نعم، تحيط بنا األحداث املؤملة من كل جانب، وتعصرنا اآلالم لغدر األشـقـاء، كما نعد العدة لصد األعــداء، وهـذا كله يؤثر على املــزاج العام لإلنسان، لكن ثمة سنة هجرها الكثيرون منا فيها راحــة للنفس وطمأنينة للفؤاد، وقهر للوساوس واألوهــــــام، إنــهــا االبــتــســامــة، ومـــا أدراك مــا االبــتــســامــة، تلك الظاهرة التي تخلى عنها معظمنا فلم يعد لها وجـود بني املـــرء وزوجـــه وولـــده ورفــاقــه وأحــبــائــه، فالبعض يعتقد أن رجولته في البيت ال تتحقق إال إذا كان عبوسا يأمر وينهى، وربما رأى في املزاح مع أفراد أسرته ما ينقص من قدره ويهز هيبته، فـإذا ما التقى بأصدقائه لم يقتصر أمـره على رسم االبتسامة على وجـهـه، بـل تـمـادى فـي ضحكه حتى دمعت عيناه. وعن غياب االبتسامة بني املوظفني في املؤسسات والهيئات الـحـكـومـيـة حـــدث وال حــــرج، وانــظــر عــنــدمــا تــذهــب لقضاء معاملة فـي إحــدى املـصـالـح، كيف يستقبلك املـوظـف بوجه عبوس، بل ربما لم يعرك أدنى اهتمام أو ينظر إليك، وليت املسؤولني يقررون مكافآت ملن ال تفارق االبتسامة وجهه في تعامله مع اآلخرين. االبتسامة يا إخوتي كانت مالزمة لوجه رسولنا – صلى الله عليه وسلم – بل واعتبرها صدقة، فقال عليه أفضل الصالة والــســالم: بتبسمك فـي وجــه أخـيـك لـك صـدقـة، فالتبسم إذن سنة من سنن الرسول الكريم، هجرها الكثيرون، عن جرير بـن عبدالله قــال: مـا رآنــي النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إال تبسم في وجهي. واملرء منا قد ال يملك ما يقدمه لآلخرين من مال أو مساعدة، لكنه يملك بالطبع أن يلقاهم بابتسامة ال تكلفه شيئا، يقول رســـول الـلـه صـلـى الـلـه عليه وســلــم: إنـكـم لــن تـسـعـوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق. إنـهـا حـركـة ال تكلف مــن أتــاهــا شيئا، بــل وال تستغرق منه زمنا أو تتطلب منه جـهـدا، تنطلق مـن الـوجـه إلــى القلوب، فتبعث بــالــدفء والطمأنينة إلــى املتلقي وتنعكس آثارها على العالقات االجتماعية بني األفراد، ومن ثم يكون لها دور فعال في نشر السالم االجتماعي بني الناس. األحــاديــث الــــواردة فــي تبسم الـنـبـي صـلـى الـلـه عليه وسلم كثيرة، وتصف تبسمه في حاالت رضاه وغضبه، مع أتباعه ومـــع أعـــدائـــه، فــمــا بــالــنــا نـسـعـى لــالهــتــداء بــه – صــلــى الله عليه وسلم – في إطـالق اللحى وتقصير الثياب واستخدام السواك، وكلها من السنن التي تتعلق بصاحبها وال تتعدى آثارها إلى اآلخرين، بينما نغفل عن سنن مهمة في التفاعل املجتمعي، كسنة االبتسامة. أتمنى أن يخصص مدير كـل مؤسسة أو هيئة أو مصلحة جائزة للموظف األكثر تبسما في وجوه املراجعني، وذلك من خـالل مراقبة األداء، والكاميرات املبثوثة في أركــان املباني تنقل له الصورة صادقة. كـمـا أتـمـنـى أن يــراجــع بـعـضـنـا سـلـوكـيـاتـهـم مــع زوجاتهم وأوالدهــــــــم، ومــــع طــالبــهــم فـــي املــــــدارس والـــجـــامـــعـــات، ومع جـيـرانـهـم، ومــع الـعـامـلـني تـحـت إمــرتــهــم، فـمـا أحـوجـنـا إلى فعل املعروف الـذي يجلب لنا الحسنات في اآلخــرة، وأبسط معروف يمكن أن نؤديه هو االبتسامة في وجه اآلخرين، ال تحقرن من املعروف شيئا، ولو أن تلقى أخـاك بوجه طليق، فهل نستجيب لذلك؟ ابتسموا يرحمكم الله، وكل عام وأنتم مبتسمون.