كيف ينعق الناعقون ؟

يذكر الدكتور كرستيان برنارد أنه ال يمكن أن يتغلغل السرطان إلى جسم اإلنسان، إال إذا تفككت الخاليا فيصبح الجسم أرضا خصبة لتكاثر البؤرات السرطانية، والشيء بالشيء يذكر، فال يفتت األوطــان وال يمزق كيانها سـوى التفكك ما بني أفرادها وقـادتـهـا. واملتصفح لحال أكثر األوطـــان املــجــاورة، يعلم علم اليقني أنه في نعمة أنعمها الله عليه لو قضى عمره ساجدا لم يستوف شكرها، لكن كما قيل: اليعلم قدر النعمة إال من فقدها، كثير هم الذين جندوا أنفسهم لكي ينالوا من الوطن مع اختالف في نوع التجنيد، فهو إما تجنيد يسعى إلى تخريب املمتلكات ومــا إلــى غير ذلــك، وتجنيد شحذ جـنـده من أجـــل غـسـل الــعــقــول مــن خـــالل بــث الشائعات وتــصــديــر بـعـض الــعــيــوب الــتــي تـخـص رموز الـوطـن. لكن هناك ســؤال البـد أن يطرق عقل كل ذي عقل: هل أسلم عقلي ملن يفكر لي بالنيابة؟ كل من حــاول أن يزعزع أمـن هـذا الوطن إنما كـان تركيزه األســاســي عـلـى تصيد األخــطــاء غـيـر املــقــصــودة، والـعـمـل على تكبيرها، ناسني في الوقت نفسه بأن الفرد منا يعجز كليا بأن يدير أسرته املكونة من خمسة أفــراد، فهناك ابـن متمرد وآخر شقي وزوجــة ناشز ومـا إلـى ذلـك وتجده يلجأ إلـى املصلحني االجتماعيني لكي يسدوا له الثغور في تربيته، ثم يطالب بأن يكون مـن بيده الحل والعقد بهذا الـوطـن أن يدير ماليني من البشر، األمر ليس بتلك السهولة. لو التفتنا جميعا وفق عقول ساذجة لكل ما يثار من قضايا حول الوطن لكي يزعزع ثقتنا به ماذا سيصبح الحال؟ الجواب بسيط لن تهنأ بأن تسمع صوت املوسيقى وأنت تتناول العشاء في مطعم جميل، بل سيطرب قلبك قبل أذنك بأصوات املدافع والرشاشات. لن تأمن ابنك أن يحضر لك رغيفا من الخبز ليعود لك جثة هامدة، لن تفكر في كيفية قضاء إجازة الصيف، وإنما ستفكر كيف يصبح عليك الصباح دون أن تفقد أحـد أطرافك من شظية جوية أو لغم أرضي، لن تفكر في نوع لقطة «السناب الـشـات» التي ستلتقطها، وإنـمـا ستفكر فـي عـدد الجثث التي تعج بها األزقـــة والــشــوارع مـن حـولـك. الـوطـن قيمة عليا وأنعم الله علينا بوطن جميل نسافر من شرقه إلى غربه دون أن نخاف على أنفسنا، بل ونفترش الصحراء والهضاب متى ما أدركنا النوم دون أدنــى رهـبــة. حتى صـاحـب البضاعة يدعها لليوم اآلخر ال يغطيها إال بغطاء يقيها املطر. الست في نعمة توجب عليك شكرها والدعاء لـــــوالة األمـــــر بــــأن يــديــم الــلــه عـلـيـهــم العافية والـســالمــة. أم تـريـد أن تـكـون مشتتا بــني الدول الجــئــا بــهــا وتــصــبــح أمـــك فــي بــلــد وأخــتــك فــي بلد وإخوانك في آخر، أال تشكر الله ومن ثم تلتف حول قادتك وتكون يدا معهم ضد كل ناعق من الغربان. أال تعلم بأن غالبية من يثيرون هـذه النعرات والشتائم تجاه الوطن هم من حرم نعمة الله عليه بأن يكون بني أرجاء الوطن فهو مشتت وليس هدفه اإلصــالح كما يزعم وإنما هدفه التخريب، فاإلصالح ال يكون ببث السموم في الجسد. إنهم أناس قد انطبق عليهم قول الله تعالى في أواخر سورة الكهف ( قل هل ننبئكم باألخسرين أعماال، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا).