اليمن: اإلعالمي يحيى عبدالرقيب مثاًال
عرفت الصحفي الالمع يحيى عبدالرقيب الجبيحي عـــام 1979 فــي جـــدة خـــالل فــتــرة إقـامـتـنـا فـيـهـا مع والـــدي األســتــاذ أحـمـد محمد نـعـمـان، وكـــان يحيى حينها صحفيا في جريدتي «عكاظ» و«املدينة» اللتني تصدران في املنطقة الغربية باململكة، وصار زائـرا دائما لألستاذ، وابنا محبا، بارا، رقيق املشاعر، متدفق العواطف، عف اللسان والقلم، ولم تنقطع عالقتي بيحيى منذ تلك الفترة. فـي 31 أغسطس 2016 بعث لـي يحيى رسـالـة مـفـادهـا أن جماعة مـسـلـحـة اخــتــطــفــت ابــنــه حــمــزة وطــلــب مــنــي عــــدم إثـــــارة املوضوع حسب طلب الوسطاء حتى ال يزيد الغضب عليه، وقــال إن التهمة التي بلغته أن ولــده ينشر ما فسروه بأنه تعاطف مع املقاومة في تعز وأخفى الخبر عن زوجته املريضة خوفا على حياتها، وفي 2 سبتمبر أخبرني أنهم عرفوا مكان اعتقال حمزة وأنهم تحدثوا معه بالتلفون. آخر رسالة وصلتني من يحيى في 3 سبتمبر 2016 كتب فيها (إن الـفـرص كـانـت مـواتـيـة لـي بـالـريـاض وغـيـرهـا، لكن أحببت العودة للوطن)، وجـاء عقابه قاسيا حد البشاعة باعتقاله جـزاء حبه لبلد أضاعته األحقاد والتفاهات والحسابات الصغيرة الذاتية املقيتة، ففي شهر سبتمبر 2016 اعتقلته السلطات األمنية التي تديرها جماعة (أنصار الله) - الحوثيني، وبعد أشهر من اإلخفاء والصمت (شهر أبريل )2017 تم اإلعالن عن حكم أقل ما يقال فيه أنه همجي باإلعدام. جـاء الحكم البشع عليه صادما حد عـدم تصديقه، وتصورت هول الفاجعة التي واجهتها أسرته البسيطة وأصدقاؤه الكثر، وتخيلت وقـعـهـا عـلـى صـديـقـي صــاحــب االبــتــســامــة املـطـمـئـنـة والـــــروح التي تضفي في محيطها سلما وهدوءا نفسيا، ولم أتصور أن (قاضيا) جادا تمكن من النظر إلى وجه يحيى الضاحك املبتسم دائما وجسده النحيل ثم بلغت عنده الجرأة حد إطالق حكم باإلعدام دون أن يرف له جفن وال تتحرك في داخله شفقة القاضي وعدله االفتراضي. مـــا حـــدث نـــمـــوذج يــصــل حـــد الـفـضـيـحـة لــجــمــاعــة تــدعــي القدسية والنزاهة وإعـالء كلمة الله ورسوله، وكـان مدعاة للسخرية الدامية أن أحدا في داخل دائرة من يحكمون صنعاء بالقوة لم يبد ولم يقدم اعتراضا على العبث بأرواح املواطنني واالنتهاك اليومي لحقوقهم، ولــم يـكـن يحيى هــو الضحية الـوحـيـدة لـألجـهـزة األمـنـيـة املنفلتة والتي تعمل خــارج القانون على املعارضني واملنتقدين للجماعة، فقد اعتقلت هـذه األجـهـزة القابضة على كل ما يحدث في صنعاء كثيرين غيره عوقبوا على تهم ملفقة لم تثبت على أحد منهم، فرأينا طبيبا إنسانا رقيقا مثل عـبـدالـقـادر الجنيد يـرمـى فـي سجن قذر دون أن يتيحوا له فرصة الدفاع عن نفسه وال السماح له االستعانة بمحام وال التواصل مع أسرته، وشاهدنا الصحفي جالل الشرعبي يختفي ألشهر طويلة ثم يطلق سراحه دون توجيه الئحة اتهام إليه، وعرفنا أن الصحفي نبيل سبيع تعرض للضرب فـي أحــد شوارع صنعاء ثم يطلق الرصاص على قدميه.. كل هؤالء - والقائمة طويلة - لم تمنحهم (الجماعة) أبسط الحقوق اآلدمية التي فرضها القرآن للمسلمني ولـغـيـرهـم، وسيتعرض الـكـثـيـرون مـن قـادتـهـا الحاليني ملثلها عندما يفقدون السلطة التي أعمتهم فنسوا كل ذلك ومارسوا ما كانوا يضجون منه ويقاتلون ملقاومته. األمــثــلــة كـثـيـرة عـلـى الــــدرك األســفــل الـــذي وصــلــت إلــيــه أمـــور البالد وليس فـي ذلــك إعــالن خصومة شخصية ضـد فئة، ولكن استمرار هـــذا االنـــحـــدار األخــالقــي فــي أســلــوب إدارة الــوطــن واإلصـــــرار على تحقير الناس وانتهاك حقوق املواطنني واالختباء خلف شعارات (دحـر الـعـدوان) البـد أن يشكل في نهاية املطاف ركاما من الغضب والكراهية والعصبية ستجد معه (الجماعة) التي تحكم صنعاء اآلن أنها صــارت عرضة لعملية انتقام لن يتأخر طويال كما حـدث في املــاضــي، وأنــا هنا أعـيـد قـــراءة تـاريـخ لـم تجف األقـــالم الـتـي سردت فصوله، وإذا كانت دعواها – التي دافع عنها الكثيرون في املاضي الــقــريــب – تــمــحــورت حـــول (االســتــبــعــاد) و(اإلقـــصـــاء) و(الحرمان) و(املظلومية) فإنها اليوم تؤسس ملنصة سيعلوها جالدون آخرون منتقمني منها وليمارسوا عليها نفس ما شكت منه؛ ألنها جعلت السالح والبطش بالخصوم وحده وسيلة إلخضاع اآلخرين. التاريخ وأحداثه فصول تتكرر بأشخاص جدد وواجهات مختلفة ولكنه في النهاية دورة ال ينجو من الوقوع في مصائبها إال العاقل املــدرك لفداحة األخـطـاء التي ترتكبها الجماعات التي ترفع الدين شعارا زائفا لحكمها.