Okaz

إسالمويون وطنيون

-

أعلم مسبقًا أن الـقـارئ الكريم سيتحفظ على العنوان. وربــمــا اتهمني بالجمع بــن املـتـنـاق­ـضـات. فاملتعارف عـلـيـه أن اإلســامــ­ويــن أمــمــيــ­ون ولــيــســ­وا وطــنــيــ­ن، وال يــعــتــر­فــون بـــحـــدو­د الــجــغــ­رافــيــا، وال يــســلــم­ــون بمنطق التاريخ املوضوعي، كما أنهم عامليون، وإن كانوا غالبًا غــيــر إنــســانـ­ـيــن بـاملـعـنـ­ى األخـــاقـ­ــي لــإنــســ­انــيــة، ودون أنسنتهم خرط القتاد، وذاك سبب تلونهم ومناورتهم. مـنـذ عــقــود وهـــم يــــرددون فــي أدبـيـاتـه­ـم (إن الــلــه ليزع بالسلطان ماال يزع بالقرآن) لكنهم ال يستحضرون هذا األثــر كقيمة عليا لهم وعليهم، بل لتوظيفه في كل ما يحقق أهدافهم التقليدية الرجعية، ويتخذونه قرينة أو دليل تحريض للسلطة ضد كل األطـيـاف التي تخالف توجههم وأيديولوجي­تهم. بـــاألمــ­ـس الــقــريـ­ـب، بــعــد أن أجــمــع الــعــالـ­ـم بـــأســـر­ه على تجريم اإلخــوان، وتصنيفهم جماعة إرهابية، وبعدما أصدرت دول عدة قرارات صارمة ضد املنتمن واملوالن واملتعاطفن. تراجع مؤشر الخطاب اإلساموي الحالم ونــــزل مــن بـــرج األوهـــــ­ام إلـــى أرض الـــواقــ­ـع، واستشعر الـرمـوز واألتـبـاع أنـه ال مفر من االصطفاف مع الوطن، أو تـحـمـل تـبـعـات الــتــمــ­رد عـلـيـه، فـحـضـر األثـــر مجددًا، وانقلب ســاح دليل صاحية السلطان عليهم بعد أن كان باألمس لهم. لـسـت فـي مـقـام تحريض على أحــد. فتلك دنيئة أترفع عــنــهــا. إال أنـــي مــع تــأصــيــ­ل وإشـــاعــ­ـة الـتـقـنـن فــي كافة املجاالت، فالله سبحانه شرع من األحكام واألنظمة ما يحمي به حياة الناس دون أخـذ رأي الناس وال حتى األنبياء، بل أنـزل تشريعات عادلة ال بهوى ذات وإنما بعدل الصفات، وقال «ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات واألرض ومن فيهن»، وقال جل وعا «لو كان فيهما آلهة إال الله لفسدتا»، وقال «ما اتخذ الله من ولد، ومـا كـان معه من إلـه إذًا لذهب كل إلـه بما خلق»، ولله املثل األعلى. لــن يستشيط وطــنــي مــن عـــودة الـحـزبـيـ­ن إلــى التغني بــالــوطـ­ـن، ودعــائــه­ــم لــلــقــي­ــادات، والــتــنـ­ـديــد بسياسات الــجــمــ­اعــة، فـتـلـك عــــودة مــحــمــو­دة إن كــانــت مــن القلب. ولسنا أيضًا في مقام تشف، أو دعوة لتشطير مجتمعنا وتصنيفه، فالوطنية واملواطنة -اللتان هما مخرجتان من امللة بحسب ثقافة الحزب ودستور الجماعة– تكفان لكل مواطن حقوقه، وتلزمانه بواجباته وأعــاه حسن االنتماء للوطن األم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia