من يسعف الشباب دينيا؟
تــكــاد جـمـيـع الــبــرامــج الـديـنـيـة تــكــون ذات نمط واحــد، يغلب على مقدميها الحفظ والنهل من الكتب التراثية من غير إعمال العقل في قضايا معاصرة، وظلت برامجنا الدينية املحلية تدور فــي حلقة مـفـرغـة حـتـى إن حفظة تـلـك البرامج نقلوا ملشاهدي برامجهم داء الحفظ. وبمجرد اإلصغاء لتلك البرامج يستطيع املتابع لها (تسميع) ما سوف يقال. وفـــي أيـــام ولــيــالــي رمــضــان املــنــصــرم تــم تقديم بـرنـامـجــن ديـنـيــن أحــدثــا نـقـلـة نـوعـيـة بحمل الـــنـــاس إلــــى إعـــمـــال الــعــقــل فـــي الـــقـــرآن والسنة أيـضـا، بحيث قـدم البرنامجان صياغة جديدة تتالء م مع معطيات العلم وتقفز بعقلية املشاهد لــتــجــاوز كــم هــائــل مــن األقـــاويـــل الــتــراثــيــة التي قـيـلـت فــي زمـنـيـتـهـا ولـــم يـعـد بـعـضـهـا صالحا لالستهالك في هذا الزمن. وكــــــان مــــن املـــفـــتـــرض أن يـــحـــدث البرنامجان تـفـاعـال إيـجـابـيـا بــن مـقـدمـي الــبــرامــج الدينية قبل الجمهور، إال أن ذلك الكم املهول من الرؤى الحديثة التي ألقاها الدكتوران (محمد شحرور وعدنان إبراهيم) مضت ولـم يعقب عليها أحد مــن مـقـدمـي الـبـرامـج الـديـنـيـة املـحـلـيـة، والسبب ببساطة أن الـدكـتـوريـن يميالن لتقديم (العقل على النقل)، وأعتقد أن مهمة القنوات الفضائية مـسـانـدة بـرامـجـهـا املــعــتــادة بـبـرنـامـج واحـــد أو اثنن يكونان خـارج الصندوق ويقدمان ثقافة فاخرة تنقل مجاميع الناس من زمنية الحفظ إلى زمنية العقل. وأقـــــول مـــن الــــضــــرورة بــمــكــان تــقــديــم برامج دينية قادرة على مخاطبة الشباب املتعلم بما يفهم من براهن وأدلة وإقامة الحجة واملقدرة على االستنباط، واملقدرة العقلية التي يؤمن بها الشباب على أي نقل. وإذا كــــان هــنــاك شــبــاب مـــرقـــوا أو كــــــادوا أن يــمــرقــوا مــن الــديــن فـهـم أحــــوج ملــن يجادلهم بـاألسـالـيـب الـتـي يتقنونها، ومشكلة هؤالء الـشـبـاب أن رؤوســهــم تحمل عــشــرات األسئلة القلقة والشائكة والـتـي ال يـجـدون شيخا أو واعـــظـــا يـجـيـب عـنـهـا بــمــا يـــتـــالءم مـــع الفهم العقلي، وألن هــؤالء الشباب ال يـقـدرون على اإلفــــصــــاح عـــن مــعــضــالتــهــم الــفــكــريــة خشية الوقوع في التهم الجاهزة أو تلقيهم للدروس التي حفظوها عن ظهر قلب كإجابة حتمية ملا يعتري بالهم من أفكار لم تجد جوابا من قبل كل مشايخنا. وألن قضية هـــؤالء الـشـبـاب ليست مقتصرة عـلـى الــجــوانــب الفقهية بــل قــد تـتـعـداهـا إلى جناب العقيدة، يصبح من واجبات املنشغلن في الوعظ واإلرشاد بسط التسامح واإلصغاء ملا يقال والرد بما يقبله العقل لشباب تم غمره في عمق الفلسفات الحديثة ولم يجد إغاثته مــمــا حــفــظ وســـمـــع، ولــــم تــرتــح لـــه مشاعره.. وأعتقد أن هــذا الــدور يتقدم على أي خطاب وعظي لم يقرأ يوما في الفلسفة أو الفيزياء أو الرياضيات (كل العلوم التطبيقية) فعقول الشباب لم يعد يروضها إال منطق العقل.
للتواصل أرسل sms إلى 88548 االتصاالت 636250, موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة